الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَ لَهُمْ نِبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ ٱلتَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَىٰ وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنْتُم مُّؤْمِنِينَ }

قوله تعالى: { وقال لهم نبيهم إن آية ملكه } الآية: العلامة، فمعناه: علامة تمليك الله إياه { أن يأتيكم التابوت } وهذا من مجاز الكلام، لأن التابوت يؤتى به، ولا يأتي، ومثله: { فاذا عزم الأمر } وإنما جاز مثل هذا، لزوال اللبس فيه، كما بينا في قوله تعالى:فما ربحت تجارتهم } [البقرة:16]. وروي عن ابن مسعود، وابن عباس: أنهم قالوا لنبيهم: إن كنت صادقاً، فأتنا بآية تدل على أنه ملك، فقال لهم ذلك. وقال وهب: خيّرهم، أي آية يريدون، فقالوا: أن يردَّ علينا التابوت. قال ابن عباس: كان التابوت من عود الشمشار عليه صفائح الذهب، وكان يكون مع الأنبياء إذا حضروا قتالاً قدموه بين أيديهم يستنصرون به، وفيه السكينة. وقال وهب بن منبه: كان نحواً من ثلاث أذرع في ذراعين. قال مقاتل: فلما تفرقت بنو إسرائيل، وعصوا الأنبياء، سلط الله عليهم عدوهم، فغلبوهم عليه، وفي السكينة سبعة أقوال. أحدها: أنها ريح هفافة لها وجه كوجه الإنسان، رواه أبو الأحوص عن علي رضي الله عنه. والثاني: أنها دابة بمقدار الهرّ، لها عينان لها شعاع، وكانوا إذا التقى الجمعان، أخرجت يدها، ونظرت إليهم، فيهزم الجيش من الرعب. رواه الضحاك عن ابن عباس. وقال مجاهد: السكينة لها رأس كرأس الهرّة، وجناحان. والثالث: أنها طست من ذهب [من الجنة] تغسل فيه قلوب الأنبياء. رواه أبو مالك عن ابن عباس. والرابع: أنها روح من الله تتكلم، كانوا إذا اختلفوا في شيء كلمتهم وأخبرتهم ببيان ما يريدون، رواه عبد الصمد بن معقل عن وهب بن منبه. والخامس: أن السكينة ما يعرفون من الآيات فيسكنون إليها، رواه ابن جريج عن عطاء بن أبي رباح، وذهب إلى نحوه الزجاج، فقال: السكينة: من السكون، فمعناه: فيه ما تسكنون إليه إذا أتاكم. والسادس: أن السكنية معناها هاهنا: الوقار، رواه معمر عن قتادة. والسابع أن السكينة: الرحمة. قاله الربيع بن أنس.

وفي البقية تسعة أقوال. أحدها أنها رضاض الألواح التي تكسرت حين ألقاها موسى وعصاه، قاله ابن عباس، وقتادة، والسدي. والثاني: أنها رضاض الألواح. قاله عكرمة، ولم يذكر العصا. وقيل: إنما اتخذ موسى التابوت ليجمع رضاض الألواح فيه. والثالث: أنها عصا موسى، والسكينة، قاله وهب. والرابع: عصا موسى، وعصا هارون، وثيابهما، ولوحان من التوراة، والمنُّ، قاله أبو صالح. والخامس: أن البقية، العلم والتوراة، قاله مجاهد، وعطاء بن أبي رباح. والسادس: أنها رضاض الألواح، وقفيز من مَنٍّ في طست من ذهب، وعصا موسى وعمامته، قاله مقاتل. والسابع: أنه قفيز من مَنٍّ ورضاض الألواح، حكاه سفيان الثوري عن بعض العلماء. والثامن: أنها عصا موسى والنعلان. ذكره الثوري أيضاً عن بعض أهل العلم.

السابقالتالي
2