الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِيۤ أَنْفُسِهِنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ }

قوله تعالى: { والذين يتوفون منكم } أي: يقبضون بالموت. وقرأ المفضَّل عن عاصم «يَتوفون» بفتح الياء في الموضعين. قال ابن قتيبة: هو من استيفاء العدد، واستيفاء الشيء: أن نستقصيه كله، يقال: توفيته واستوفيته، كما يقاله: تيقّنت الخير واستيقنته، هذا الأصل، ثم قيل للموت: وفاة وَتَوَفٍّ { ويتربصن } ينتظرن وقال الفراء: وإنما قال: { وعشراً } ولم يقل: عشرة، لأن العرب إذا أبهمت العدد من الليالي والأيام، غلبوا عليه الليالي، حتى إنهم ليقولون: صمنا عشراً من شهر رمضان، لكثرة تغليبهم الليالي على الأيام، فاذا أظهروا مع العدد تفسيره، كانت الإناث بغير هاء، والذكور بالهاء كقوله تعالى:سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوماً } [الحاقة:7]. فان قيل: ما وجه الحكمة في زيادة هذه العشرة؟ فالجواب: أنه يبين صحة الحمل بنفخ الروح فيه، قاله سعيد بن المسيب، وأبو العالية، ويشهد له الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: " إِن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوماً [نطفة]، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل إليه الملك، فينفخ فيه الروح ". فصل

وهذه الآية ناسخة للتي تشابهها، وهي تأتي بعد آيات، وهي قوله:والذين يُتوفَّون منكم ويذرون أزواجاً وصية لأزواجهم متاعاً إِلى الحول } [البقرة:240] لأن تلك كانت تقتضي وجوب العدة سنة، وسنذكر ما يتعلق بها هنالك، إن شاء الله. فأما التي نحن في تفسيرها: فقد روي عن ابن عباس أنه قال: نسختهاوأُولات الأحمال أجلُهنَّ أن يضعن حمْلَهن } [الطلاق: 4] والصحيح: أنها عامة دخلها التخصيص، لأن ظاهرها يقتضي وجوب العدة على المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشراً، سواء كانت حاملاً، أو غير حامل، غير أن قوله تعالى: { وأُولات الأحمال أجلُهنَّ أَن يضعن حملهنَّ } خص أُولات الحمل، وهي خاصة أيضاً في الحرائر، فإن الأمة عدتها شهران وخمسة أيام، فبان أنها من العام الذي دخله التخصيص.

قوله تعالى: { فإذا بلغن أجلَهن } يعني: انقضاء العدة.