الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلشَّهْرِ ٱلْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ ٱللَّهِ وَٱلْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ ٱلْقَتْلِ وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِن اسْتَطَاعُواْ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلـٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَأُوْلـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }

قوله تعالى: { يسئلونك عن الشهر الحرامِ قتالٍ فيه } روى جندب بن عبد الله " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعث رهطاً واستعمل عليهم أبا عبيدة، فلما انطلق ليتوجه بكى صبابة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبعث مكانه عبد الله بن جحش، وكتب له كتاباً، وأمره ألا يقرأه إلا بمكان كذا وكذا، وقال: «لا تكرهنَّ أحداً من أصحابك على المسير معك» " فلما صار إِلى المكان، قرأ الكتاب واسترجع، وقال: سمعاً [وطاعة لأمر] الله ولرسوله [فخبرهم الخبر، وقرأ عليهم الكتاب]، فرجع رجلان من أصحابه، ومضى بقيتهم، فأتوا ابن الحضرمي فقتلوه، فلم يدروا ذلك اليوم، أمِن رجب، أو من جمادى الآخرة؟ فقال المشركون [للمسلمين]: قتلتم في الشهر الحرام [فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فحدثوه الحديث] فنزلت هذه الآية، فقال بعض المسلمين: لئن كان أصابهم خير فما لهم أجر فنزلت: { إن الذين آمنوا والذين هاجروا } إلى قوله:رحيم } [البقرة:218] قال الزهري: اسم ابن الحضرمي: عمرو، واسم الذي قتله عبد الله بن واقد الليثي. قال ابن عباس: كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، يظنون تلك الليلة من جمادى، وكانت أول رجب.

وقد روى عطيّة عن ابن عباس أنها نزلت في شيئين. أحدهما: هذا. والثاني: دخول النبي، صلى الله عليه وسلم، مكة في شهر حرام يوم الفتح، حين عاب المشركون عليه القتال في شهر حرام.

وفي السائلين النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك قولان. أحدهما: أنهم المسلمون سألوه: هل أخطؤوا أم أصابوا، قاله ابن عباس، وعكرمة ومقاتل. والثاني: أنهم المشركون سألوه على وجه العيب على المسلمين، قاله الحسن وعروة، ومجاهد.

والشهر الحرام: شهر رجب، وكان يدعى الأصم، لأنه لم يكن يسمع فيه للسلاح قعقعة تعظيماً له { قتال فيه } أي: يسألونك عن قتال فيه. { قل: قتال فيه كبير } قال ابن مسعود وابن عباس: لا يحِل. قال القاضي أبو يعلى: كان أهل الجاهلية يعتقدون تحريم القتال في هذه الأشهر، فأعلمهم الله تعالى في هذه الآية ببقاء التحريم.

فصل

اختلف العلماء في تحريم القتال في الأشهر الحرم: هل هو باق أم نسخ؟ على قولين.

أحدهما: أنه باقٍ. روى ابن جريج أن عطاء كان يحلف بالله: ما يحل للناس الآن أن يغزوا في الحرم، ولا في الأشهر الحرم، إلا أن يقاتلوا فيه أو يغزوا، وما نسخت.

والثاني: أنه منسوخ، قال سعيد بن المسيب، وسليمان بن يسار: القتال جائز في الشهر الحرام، هذه الآية منسوخة بقوله تعالى:فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم } [التوبة:5] وبقوله تعالى:قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر } [التوبة:19] وهذا قول فقهاء الأمصار.

قوله تعالى: { وصدٌ عن سبيل الله } هو مرفوع بالابتداء، وخبر هذه الأشياء: { أكبرُ عند الله }.

السابقالتالي
2