الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ ٱلْبَأْسَآءُ وَٱلضَّرَّآءُ وَزُلْزِلُواْ حَتَّىٰ يَقُولَ ٱلرَّسُولُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ ٱللَّهِ أَلاۤ إِنَّ نَصْرَ ٱللَّهِ قَرِيبٌ }

قوله تعالى: { أمْ حسبتم أن تدخلوا الجنة } في سبب نزولها ثلاثة أقوال. أحدها: أن الصحابة أصابهم يوم الأحزاب بلاء وحصر، فنزلت هذا الآية، ذكره السدي عن أشياخه، وهو قول قتادة. والثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم، لما دخل المدينة هو وأصحابه اشتد بهم الضر، فنزلت هذه الآية، قاله عطاء. والثالث: أن المنافقين قالوا للمؤمنين: لو كان محمد نبياً لم يُسلط عليكم القتل، فأجابوهم: من قتل منا دخل الجنة، فقالوا: لم تمنّون أنفسكم بالباطل؟ فنزلت هذه الآية، قاله مقاتل. وزعم أنها نزلت يوم أُحد. قال الفراء: { أم حسبتم } بمعنى: أظننتم، وقال الزجاج: «أم» بمعنى: بل. وقد شرحنا «أم» فيما تقدم شرحاً كافياً. والمثَل بمعنى: الصفة. و «زلزلوا» خُوفوا وحُرِكوا بما يؤذي، وأصل الزلزلة في اللغة من: زل الشيء عن مكانه، فاذا قلت: زلزلته، فتأويله: كررت زلزلته مِن مكانه، وكل ما كان فيه ترجيع كرّرت فيه فاء الفعل، تقول: أقل فلان الشيء: إذا رفعه من مكانه، فاذا كرر رفعه وردّه، قيل: قلقله. فالمعنى أنه تكرر عليهم التحريك بالخوف، قاله ابن عباس. البأساء: الشدة والبؤس، والضراء: البلاء والمرض. وكل رسول بعث إلى أمته يقول: { متى نصر الله } والنصر: الفتح، والجمهور على فتح لام «حتى يقولَ» وضمها نافع.

فصل

ومعنى الآية: أن البلاء والجهد بلغ بالأمم المتقدمة إلى أن استبطؤوا النصر لشدة البلاء. وقد دلت على أن طريق الجنة إنما هو الصبر على البلاء. قالت عائشة: ما شبع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ثلاثة أيام تباعاً من خبز بُرٍ حتى مضى لسبيله. وقال حذيفة: أقرّ أيامي لعيني، يوم أرجع إلى أهلي فيشكون إليَّ الحاجة. قيل: ولم ذلك؟ قال: لأني سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول: " إِن الله يتعاهد المؤمن بالبلاء كما يتعاهد الوالد ولده [بالخير]، وإِن الله ليحمي المؤمن من الدنيا، كما يحمي المريض أهله الطعام " أخبرنا أبو بكر الصوفي، قال: أخبرنا أبو سعيد ابن أبي صادق، قال: أخبرنا أبو عبد الله الشيرازي، قال: سمعت أبا الطيّب ابن الفرخان يقول: سمعت الجنيد يقول: دخلت على سري السقطي وهو يقول:
وما رُمتُ الدُخول عليهِ حتى   حَلَلتُ محلّةَ العبد الذّليل
وأغضيتُ الجفون على قذاها   وصُنتُ النفسَ عن قالٍ وقيل