الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَّنَاسِكَكُمْ فَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَآءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً فَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَآ آتِنَا فِي ٱلدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي ٱلآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ } * { وِمِنْهُمْ مَّن يَقُولُ رَبَّنَآ آتِنَا فِي ٱلدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي ٱلآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ } * { أُولَـٰئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّمَّا كَسَبُواْ وَٱللَّهُ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ } * { وَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ فِيۤ أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلاۤ إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ ٱتَّقَىٰ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعْلَمُوآ أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ }

قوله تعالى: { فاذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله }

في سبب نزولها ثلاثة أقوال.

أحدها: أن أهل الجاهلية كانوا إذا اجتمعوا بالموسم، ذكروا أفعال آبائهم وأيامهم وأنسابهم في الجاهلية، فتفاخروا بذلك؛ فنزلت هذه الآية. وهذا المعنى مروي عن الحسن، وعطاء، ومجاهد.

والثاني: أن العرب كانوا إذا حدثوا أو تكلموا يقولون: وأبيك إنهم لفعلوا كذا وكذا؛ فنزلت هذه الآية. وهذا مروي عن الحسن أيضاً.

والثالث: أنهم كانوا إذا قضوا مناسكهم، قام الرجل بمنى. فقال: اللهم إن أبي كان عظيم الجفنة، كثير المال، فأعطني مثل ذلك، فلا يذكر الله، إنما يذكر أباه، ويسأل أن يعطى في دنياه؛ فنزلت هذه الآية، هذا قول السدي.

والمناسك: المتعبدات وفي المراد بها هاهنا قولان. أحدهما: أنها جميع أفعال الحج، قاله الحسن. والثاني: أنها إراقة الدماء، قاله مجاهد. وفي ذكرهم آبائهم أربعة أقوال. أحدها: أنه إقرارهم بهم. والثاني: أنه حلفهم بهم والثالث: أنه ذكر إحسان آبائهم إليهم، فانهم كانوا يذكرونهم وينسون إحسان الله إليهم. والرابع: أنه ذكر الأطفال الآباء، لأنهم أول نطقهم بذكر آبائهم، روي هذا المعنى عن عطاء، والضحاك، وفي «أو» قولان. أحدهما: أنها بمعنى «بل». والثاني: بمعنى الواو. و «الخلاق»: قد تقدم ذكره.

وفي حسنة الدنيا سبعة أقوال. أحدها: أنها المرأة الصالحة، قاله علي. والثاني: أنها العبادة، رواه سفيان بن حسين عن الحسن. والثالث: أنها العلم والعبادة، رواه هشام عن الحسن. والرابع: المال، قاله أبو وائل، والسدي، وابن زيد. والخامس: العافية، قاله قتادة. والسادس: الرزق الواسع، قاله مقاتل. والسابع: النعمة، قاله ابن قتيبة.

وفي حسنة الآخرة ثلاثة أقوال. أحدها: أنها الحور العين، قاله علي رضي الله عنه. والثاني: الجنة، قاله الحسن، والسدي، ومقاتل. والثالث: العفو والمعافاة، روي عن الحسن، والثوري.

قوله تعالى: { أولئك لهم نصيب مما كسبوا } قال الزجاج: معناه: دعاؤهم مستجاب، لأن كسبهم هاهنا هو الدعاء، وهذه الآية متعلقه بما قبلها، إلا أنه قد روي أنها نزلت على سبب يخالف سبب أخواتها، فروى الضحاك عن ابن عباس " أن رجلا قال: يا رسول الله: مات أبي ولم يحج، أفأحج عنه؟ فقال: «لو كان على أبيك دين قضيته، أما كان ذلك يجزئ عنه» قال: نعم، قال: فدين الله أحق أن يقضى قال: فهل لي من أجر؟ " فنزلت هذه الآية.

وفي معنى سرعة الحساب خمسة أقوال. أحدها: أنه قِلَّته، قاله ابن عباس. والثاني: أنه قرب مجيئه، قال مقاتل. والثالث: أنه لما علم ما للمحاسب وما عليه قبل حسابه، كان سريع الحساب لذلك. والرابع: أن المعنى: والله سريع المجازاة، ذكر هذا القول والذي قبله الزجاج. والخامس: أنه لا يحتاج إلى فكر وروية كالعاجزين، قاله أبو سليمان الدمشقي.

السابقالتالي
2