الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ يَكَادُ ٱلْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَٰرَهُمْ كُلَّمَا أَضَآءَ لَهُمْ مَّشَوْاْ فِيهِ وَإِذَآ أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَٰرِهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }

قوله تعالى: { يَكَادُ البَرْق يخطَفْ أبْصارهُمْ }. يكاد بمعنى: يقارب، وهي كلمة إذا أثبتت انتفى الفعل، وإذا نفيت ثبت الفعل. وسئل بعض المتأخرين فقيل له:
أنحوي هذا العصر ما هي كلمة   جرت بلسانيْ جرهم وثمود
إذا نفيت والله يشهد أثبتت   وإن أثبتت قامت مقام جحود
ويشهد للاثبات عند النفي قوله تعالى:لا يكادون يفقهون حديثاً } [النساء: 78] وقولهإذا أَخرج يده لم يكد يراها } [النور: 40] ومثلهولا يكاد يبين } [الزخرف: 52] ويشهد للنفي عند الإثبات قوله تعالىيكاد البرق } [البقرة: 20] ويكاد سنا برقه } [النور: 43] ويكاد زيتها يضىء } [النور: 35]. وقال ابن قتيبة: كاد: بمعنى هم ولم يفعل. وقد جاءت بمعنى الإثبات قال ذو الرمة:
ولو أن لقمان الحكيم تعرضت   لعينيه ميّ سافراً كاد يَبرَق
أي: لو تعرضت له لبرق، أي: دهش وتحير.

قلت: وقد قال ذو الرمة في المنفية ما يدل على أنها تستعمل للاثبات، وهو قوله:
اذا غيَّر النأي المحبين لم يكد   رسيس الهوى من حبِّ ميَّة يبرح
أراد: لم يبرح.

قوله تعالى: { يخطَفُ أبْصارَهُم }

قرأ الجمهور بفتح الياء، وسكون الخاء وفتح الطاء. وقرأَ أبان بن تغلب، وأبان بن يزيد كلاهما عن عاصم، بفتح الياء وسكون الخاء، وكسر الطاء مخففاً. ورواه الجعفي عن أبي بكر عن عاصم، بفتح الياء وكسر الخاء، وتشديد الطاء، وهي قراءة الحسن كذلك، إلا أنه كسر الياء. وعنه: فتح الياء والخاء مع كسر الطاء المشددة.

ومعنى «يخطف» يستلب، وأصل الاختطاف: الاستلاب، ويقال لما يخرج به الدلو: خطاف، لأنه يختطف ما علق به. قال النابغة:
خطاطيف حجْنٍ في حبالٍ متينة   تمُدُّ بها أيدٍ إِليك نوازع
والحجن المتعقفة وجمل خيطف: سريع المر، وتلك السرعة الخطفى.

قوله تعالى: { كلما أَضَاءَ لهم }

قال الزجاج: يقال ضاء الشيء يضوء، وأضاء يضيء، وهذه اللغة الثانية هي المختارة.

فصل

واختلف العلماء ما الذي يشبه الرعد مما يتعلق بأحوال المنافقين على ثلاثة أقوال.

أحدها: أنه التخويف الذي في القرآن، قاله ابن عباس.

والثاني: أنه ما يخافون أن يصيبهم من المصائب إذا علم النبي والمؤمنون بنفاقهم، قاله مجاهد والسدي.

والثالث: أنه ما يخافونه من الدعاء إلى الجهاد، وقتال من يبطنون مودته، ذكره شيخنا.

واختلفوا: ما الذي يشبه البرق من أحوالهم على ثلاثة أقوال: أحدها: أنه ما يتبين لهم من مواعظ القرآن وحكمه.

والثاني: أنه ما يضيء لهم من نور إسلامهم الذي يظهرونه. والثالث: أنه مثل لما ينالونه باظهار الإسلام من حقن دمائهم، فانه بالإِضافة إِلى ما ذخر لهم في الأجل كالبرق.

واختلفوا في معنى قوله: { يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق } على قولين. أحدهما: أنهم كانوا يفرون من سماع القرآن لئلا يأمرهم بالجهاد مخالفة الموت، قاله الحسن والسدي.

السابقالتالي
2