قوله تعالى: «ذلك» فيه قولان. أحدهما: أنه بمعنى هذا، وهو قول ابن عباس، ومجاهد، وعكرمة، والكسائي، وأبي عبيدة، والأخفش. واحتج بعضهم بقول خفاف بن ندبة:
أَقول له والرمح يأطر متنه
تأمل خفافا إِنني أنا ذلكا
أي: أنا هذا. وقال ابن الأنباري. إنما أراد: أنا ذلك الذي تعرفه. والثاني: أنه إشارة الى غائب. ثم فيه ثلاثة أقوال. أحدها: أنه أراد به ما تقدم إنزاله عليه من القرآن. والثاني: أنه أراد به ما وعده أن يوحيه إليه في قوله:{ سنلقي عليك قولاً ثقيلاً } [المزمل:5]. والثالث: أنه أراد بذلك ما وعد به أهل الكتب السالفة، لأنهم وعدوا بنبي وكتاب. و { الكتاب }. القرآن. وسمي كتاباً، لأنه جمع بعضه إلى بعض، ومنه الكتيبة، سميت بذلك لاجتماع بعضها إلى بعض. ومنه: كتبت البغلة. قوله تعالى: { لا ريب فيه } الرَّيب: الشك. والهدى: الإِرشاد. والمتقون: المحترزون مما اتقوه. وفرَّق شيخنا علي بن عبيد الله بين التقوى والورع، فقال: التقوى: أخذ عدة، والورع: دفع شبهة، فالتقوى: متحقق السبب، والورع: مظنون المسبَّب. واختلف العلماء في معنى هذه الآية على ثلاثة أقوال. أحدها: أن ظاهرها النفي، ومعناها النهي، وتقديرها: لا ينبغي لأحد أن يرتاب به لإتقانه وإحكامه. ومثله:{ ما كان لنا أن نشرك بالله من شيء } [يوسف: 38] أي: ما ينبغي لنا. ومثله:{ فلا رفت ولا فسوق } [البقرة: 196] وهذا مذهب الخليل، وابن الأنباري. والثاني: أن معناها: لا ريب فيه أنه هدىً للمتقين. قاله المبرّد. والثالث: أن معناها: لا ريب فيه أنه من عند الله، قاله مقاتل في آخرين. فان قيل: فقد ارتاب به قوم. فالجواب: انه حق في نفسه، فمن حقق النظر فيه علم. قال الشاعر:
ليس في الحق يا أمامة ريب
إنما الريب ما يقول الكذوب
فان قيل: فالمتقي مهتد، فما فائدة اختصاص الهداية به؟ فالجواب من وجهين. أحدهما: أنه أراد المتقين، والكافرين، فاكتفى بذكر أحد الفريقين، كقوله تعالى:{ سرابيل تقيكم الحر } [النحل: 81] أراد: والبرد. والثاني: أنه خصَّ المتقين لانتفاعهم به، كقوله:{ إنما أنت منذر من يخشاها } [النازعات:45]. وكان منذراً لمن يخشى ولمن لا يخشى.