الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ فِيهِ ظُلُمَٰتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَٰبِعَهُمْ فِيۤ آذَانِهِم مِّنَ ٱلصَّوَٰعِقِ حَذَرَ ٱلْمَوْتِ وٱللَّهُ مُحِيطٌ بِٱلْكَٰفِرِينَ }

قوله تعالى: { أو كصَيِّبٍ من السمَاء }. أو، حرف مردود على قوله:مثلهم كمثل الذي استوقد ناراً } [البقرة:17] واختلف العلماء فيه على ستة أقوال.

أحدها: أنه داخل هاهنا للتخيير، تقول العرب: جالس الفقهاء أو النحويين، ومعناه: انت مخير في مجالسة أي الفريقين شئت، فكأنه خيرنا بين أن نضرب لهم المثل الأول أو الثاني.

والثاني: أنه داخل للابهام فيما قد علم الله تحصيله، فأبهم عليهم مالا يطلبون تفصيله، فكأنه قال: مثلهم كأحد هذين. ومثله قوله تعالى:فهي كالحجارة أو أشد قسوة } [البقرة: 74] والعرب تبهم ما لا فائدة في تفصيله. قال لبيد:
تمنى ابنتاي أن يعيش أبوهما   وهل أنا إِلا من ربيعة أو مضر
أي: هل أنا إلا من أحد هذين الفريقين، وقد فنيا، فسبيلي أن أفنى كما فنيا.

والثالث: أنه بمعنى: بل. وأنشد الفراء:
بدت مثل قرن الشمس في رونق الضحى   وصورتها أو أنت في العين أملح
والرابع: أنه للتفصيل، ومعناه: بعضهم يشبه بالذي استوقد ناراً، وبعضهم بأصحاب الصيّب. ومثله قوله تعالى:كونوا هوداً أو نصارى } [البقرة: 135] معناه: قال بعضهم، وهم اليهود: كونوا هودا، وقال النصارى: كونوا نصارى. وكذا قوله:فجاءها بأسنا بياتاً أو هم قائلون } [الأعراف: 4] معناه: جاء بعضهم بأسنا بياتاً، وجاء بعضهم بأسنا وقت القائلة.

والخامس: أنه بمعنى الواو. ومثله قوله تعالى:أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت آبائكم } [النور:61] قال جرير:
نال الخلافة أو كانت له قدراً   كما أتى ربَّه موسى على قدر
والسادس: أنه للشك في حق المخاطبين، إذ الشك مرتفع عن الحق عز وجل، ومثله قوله تعالى:وهو أهون عليه } [الروم:27] يريد: فالإعادة أهون من الابتداء فيما تظنون.

فأما التفسير لمعنى الكلام: أو كأصحاب صيب، فأضمر الأصحاب، لأن في قوله { يجعلون أصابعهم في آذانهم } ، دليلاً عليه. والصيب: المطر. قال ابن قتيبة: هو فيعل من صاب يصوب: إذا نزل من السماء، وقال الزجاج: كل نازل من علو إلى استفال، فقد صاب يصوب، قال الشاعر:
كأنهمُ صابت عليهم سحابة   صواعقها لطيرهن دبيب
وفي الرعد ثلاثة أقوال.

أحدها: أنه صوت ملك يزجر السحاب، وقد روي هذا المعنى مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وبه قال ابن عباس ومجاهد. وفي رواية عن مجاهد: أنه صوت ملك يسبح. وقال عكرمة: هو ملك يسوق السحاب كما يسوق الحادي الابل.

والثاني: أنه ريح تختنق بين السماء والأرض. وقد روي عن أبي الجلد أنه قال: الرعد: الريح. واسم أبي الجلد: جيلان بن أبي فروة البصري، وقد روى عنه قتادة.

والثالث: أنه اصطكاك أجرام السحاب، حكاه شيخنا علي بن عبيد الله.

وفي البرق ثلاثة أقوال.

أحدها: أنه مخاريق يسوق بها الملك السحاب، روي هذا المعنى مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهو قول علي بن أبي طالب.

السابقالتالي
2