الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ تَأْكُلُوۤاْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِٱلْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى ٱلْحُكَّامِ لِتَأْكُلُواْ فَرِيقاً مِّنْ أَمْوَالِ ٱلنَّاسِ بِٱلإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ }

قوله تعالى: { ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل }

سبب نزولها: أن امرؤ القيس بن عابس، وعبدان الحضرمي، اختصما في أرض، وكان عبدان هو الطالب ولا بينة له، فأراد امرؤ القيس أن يحلف، فقرأ عليه النبي صلى الله عليه وسلم:إن الذين يشترون بعهد الله وأَيْمانهم ثمناً قليلاً } [آل عمران:77]. فكره أن يحلف، ولم يخاصم في الأرض، فنزلت هذه الآية. هذا قول جماعة، منهم سعيد بن جبير. ومعنى الآية: لا يأكل بعضكم أموال بعض، كقوله: { فاقتلوا أنفسكم } قال القاضي أبو يعلى: والباطل على وجهين. أحدهما: أن يأخذه بغير طيب نفس من مالكه، كالسرقة، والغصب، والخيانة، والثاني: أن يأخذه بطيب نفسه، كالقمار، والغناء، وثمن الخمر. وقال الزجاج: الباطل الظلم. «وتدلوا» أصله في اللغة من: أدليت الدلو: إذا أرسلتها لتملأها، ودلوتها: إذا أخرجتها. ومعنى أدلى فلان بحجته: أرسلها، وأتى بها على صحة. فمعنى الكلام: تعملون على ما يوجبه إدلاء الحجة، وتخونون في الأمانة، وأنتم تعلمون أن الحجة عليكم في الباطن.

وفي ها «بها» قولان. أحدهما: أنها ترجع إلى الأموال كأنه قال: لا تصانعوا ببعضها جَوَرَة الحكام. والثاني: أنها ترجع إلى الخصومة، فان قيل: كيف أعاد ذكر الأكل فقال: «ولا تأكلوا» «لتأكلوا» فالجواب: أنه وصل اللفظة الأولى بالباطل، والثانية بالإثم، فأعادها للزيادة في المعنى، ذكره ابن الأنباري.