قوله تعالى: { إن في خلق السموات والأرض } في سبب نزولها ثلاثة أقوال. أحدها: أن المشركين قالوا للنبي: اجعل لنا الصفا ذهباً إن كنت صادقاً؛ فنزلت هذه الآية، حكاه السدي عن ابن مسعود، وابن عباس. والثاني: أنهم لما قالوا: انسب لنا ربك وصفه؛ فنزلت: { وإِلهكم إِله واحد } قالوا: فأرنا آية ذلك؛ فنزلت: { إِن في خلق السموات والأرض } إلى قوله: { يعقلون } رواه أبو صالح عن ابن عباس. والثالث: أنه لما نزلت { وإِلهكم إِله واحد } قال كفار قريش: كيف يسع الناس إِله واحد؟ فنزلت هذه الآية، قاله عطاء. فأما { السموات }؛ فتدل على صانعها، إذ هي قائمة بغير عمد، وفيها من الآيات الظاهرة، ما يدل يسيره على مبدعه، وكذلك الأرض في ظهور ثمارها، وتمهيد سهولها، وإرساء جبالها، إلى غير ذلك. { واختلاف الليل والنهار } كل واحد منهما حادث بعد أن لم يكن، وزائل بعد أن كان { والفلك }: السفن: قال ابن قتيبة: الواحد والجمع بلفظ واحد. وقال اليزيدي: واحده فلكة، ويذكر ويؤنث. وقال الزجاج: الفلك: السفن، ويكون واحداً، ويكون جمعاً، لأن فَعَل، وفُعُل جمعهما واحد، ويأتيان كثيراً بمعنى واحد. يقال: العَجم والعُجم، والعَرب والعربُ، والفلك والفُلك. والفلك: يقال لكل شيء مستدير، أو فيه استدارة. و { البحر }: الماء الغزير { بما ينفع الناس } من المعايش. { وما أنزل الله من السماء من ماء } يعني: المطر، والمطر ينزل على معنى واحد، وأجزاء الأرض والهواء على معنى واحد، والأنواع تختلف في النبات والطعوم والألوان والأشكال المختلفات، وفي ذلك رد على من قال: إنه من فعل الطبيعة، لأنه لو كان كذلك لوجب أن يتفق موجبها، إذ المتفق لا يوجب المختلف، وقد أشار سبحانه إلى هذا المعنى في قوله:{ يسقى بماء واحد ونُفضل بعضها على بعض في الأُكُل } [الرعد:4]. قوله تعالى: { وبثَّ } أي: فرق. قوله تعالى: { وتصريف الرياح } قرأ ابن كثير { الرياح } على الجمع في خمسة مواضع: هاهنا. وفي [الحجر:22].{ وأرسلنا الرياح لواقح } وفي [الكهف:46]{ تذروه الرياح } وفي [الروم:46] الحرف الأول{ الرياح } وفي [الجاثية:4]{ وتصريف الرياح } وقرأ باقي القرآن { الريح }. وقرأ أبو جعفر { الرياح } في خمسة عشر موضعاً في البقرة، وفي [الأعراف:56]{ يرسل الرياح } وفي [إبراهيم:18]{ اشتدت به الرياح } وفي [الحجر:22]{ الرياح لواقح } وفي [سبحان:19]. وفي [الكهف:45].{ تذروه الرياح } وفي [الأنبياء:81] وفي [الفرقان:48]{ أرسل الرياح } وفي النمل. والثاني من [الروم:48] وفي [سبأ: 12] وفي[ ص:36]. وفي [عسق:33]{ يسكن الرياح } وفي [الجاثية:5]{ وتصريف الرياح } تابعه نافع إلا في سبحان. ورياح سليمان: [الأنبياء:81]. وتابع نافعاً أبو عمرو إلا في حرفين: { الريح } في إبراهيم، وعسق، ووافق أبا عمرو، وعاصم، وابن عامر، وقرأ حمزة { الرياح } جمعاً في موضعين: في الفرقان، والحرف الأول من الروم، وباقيهن على التوحيد. وقرا الكسائي مثل حمزة، إلا إنه زاد عليه في [الحجر:22].{ الرياح لواقح } ولم يختلفوا فيما ليس فيه ألف ولام، فمن جمع؛ فكل ريح تساوي أختها في الدلالة على التوحيد والنفع.