قوله تعالى: { الله يستهزىء بهم } اختلف العلماء في المراد، باستهزاء الله بهم على تسعة أقوال. أحدها: أنه يفتح لهم باب من الجنة وهم في النار، فيسرعون إليه فيغلق، ثم يفتح لهم باب آخر، فيسرعون فيغلق، فيضحك منهم المؤمنون. روي عن ابن عباس. والثاني: أنه إذا كان يوم القيامة جمدت النَّار لهم كما تجمد الإِهالة في القدر، فيمشون فتنخسف بهم. روي عن الحسن البصري. والثالث: أن الاستهزاء بهم: إذا ضرب بينهم وبين المؤمنين بسور له باب، باطنه فيه الرحمة، وظاهره من قبله العذاب، فيبقون في الظلمة، فيقال لهم:{ ارجعوا وراءكم فالتمسوا نوراً } [الحديد: 13] قاله مقاتل. والرابع: أن المراد به: يجازيهم على استهزائهم، فقوبل اللفظ بمثله لفظاً وإن خالفه معنى، فهو كقوله تعالى:{ وجزاء سيئة سيئة مثلها } [الشورى:40] وقوله:{ فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم } [البقرة:194] وقال عمرو بن كلثوم:
ألا لا يجهلن أحدٌ علينا
فنجهلَ فوق جهل الجاهلينَا
أراد: فنعاقبه بأغلط من عقوبته. والخامس: أن الاستهزاء من الله التخطئة لهم، والتجهيل، فمعناه: الله يخطىء فعلهم، ويجهلهم في الإقامة على كفرهم. والسادس: أن استهزاءه: استدراجه إياهم. والسابع: أنه إيقاع استهزائهم بهم، وردّ خداعهم ومكرهم عليهم. ذكر هذه الأقوال محمّد بن القاسم الأنباري. والثامن: أن الاستهزاء بهم أن يقال لأحدهم في النار وهو في غاية الذل:{ ذق إِنك أنت العزيز الكريم } [الدخان:49] ذكره شيخنا في كتابه. والتاسع: أنه لما أظهروا من أحكام إسلامهم في الدنيا خلاف ما أبطن لهم في الآخرة، كان كالاستهزاء بهم. قوله تعالى: { ويَمدُّهُمْ في طغيانهم يعمهون } فيه أربعة أقوال. أحدها: يمكِّن لهم، قاله ابن مسعود. والثاني: يملي لهم، قاله ابن عباس. والثالث: يزيدهم، قاله مجاهد. والرابع: يمهلهم قاله الزجاج. والطغيان: الزيادة على القدر، والخروج عن حيز الاعتدال في الكثرة، يقال: طغى البحر: إذا هاجت أمواجه، وطغى السيل: إذا جاء بماء كثير. وفي المراد بطغيانهم قولان. أحدهما: أنه كفرهم، قاله الجمهور. والثاني: أنه عتوهم وتكبرهم، قاله ابن قتيبة و «يعمهون» بمعنى: يتحيرون، يقال: رجل عمه وعامه، أي: متحير. قال الراجز:
ومَخْفَقٍ من لُهلُهٍ ولُهْلُهِ
من مهمهٍ يجتبنه في مهمه
أعمى الهدى بالجاهلين العُمَّه
وقال ابن قتيبة: يعمهون: يركبون رؤوسهم، فلا يبصرون.