الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَـٰبَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ أُوْلَـٰئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمن يَكْفُرْ بِهِ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْخَٰسِرُونَ } * { يَابَنِي إِسْرَائِيلَ ٱذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ ٱلَّتِيۤ أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى ٱلْعَالَمِينَ } * { وَٱتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ تَنفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ } * { وَإِذِ ٱبْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي ٱلظَّالِمِينَ }

قوله تعالى: { الذين آتيناهم الكتاب }

اختلفوا فيمن نزلت هذه الآية على قولين. أحدهما: أنها نزلت في الذين آمنوا من اليهود، قاله ابن عباس. والثاني: في المؤمنين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، قاله عكرمة، وقتادة. وفي الكتاب قولان. أحدهما: أنه القرآن، قاله قتادة. والثاني: أنه التوراة، قاله مقاتل.

قوله تعالى: { يتلونه حق تلاوته } أي: يعملون به حق عمله، قاله مجاهد.

قوله تعالى: { أولئك يؤمنون به } في هاء «به» قولان. أحدهما: أنها تعود على الكتاب، والثاني: على النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وما بعد هذا قد سبق بيانه إلى قوله: { وإِذ ابتلى إِبراهيم ربه بكلمات } والابتلاء: الاختبار. وفي إبراهيم ست لغات. أحدها: إِبراهيم، وهي اللغة الفاشية. والثانية: إبراهُم. والثالثة: ابراهَم. والرابعة: إِبراهِمْ، ذكرهن الفراء. والخامسة: إِبراهام، والسادسة: إِبرهم، قال عبد المطلب:
عذت بما عاذ به إِبرهم   مستقبل الكعبة وهو قائم
وقال أيضا:
نحن آل الله في كعبته   لم يزل ذاك على عهد إِبرهم
وفي الكلمات خمسة أقوال.

أحدها: أنها خمس في الرأس، وخمس في الجسد. أما التي في الرأس؛ فالفرق، والمضمضة، والاستنشاق، وقص الشارب، والسواك. وفي الجسد: تقليم الأظافر، وحلق العانة، ونتف الإبط، والاستطابة بالماء، والختان، رواه طاووس عن ابن عباس.

والثاني: أنها عشر، ست في الإنسان، وأربع في المشاعر. فالتي في الإنسان: حلق العانة، ونتف الإبط، وتقليم الأظافر، وقص الشارب، والسواك، والغسل من الجنابة، والغسل يوم الجمعة. والتي في المشاعر: الطواف بالبيت، والسعي بين الصفا والمروة، ورمي الجمار، والإفاضة، رواه حنش بن عبد الله عن ابن عباس.

والثالث: أنها المناسك، رواه قتادة عن ابن عباس.

الرابع: أنه ابتلاه بالكوكب، والشمس، والقمر، والهجرة، والنار، وذبح ولده والختان، قاله الحسن.

والخامس: أنها كل مسألة في القرآن، مثل قوله:ربّ اجعل هذا البلد آمناً } [إبراهيم:35]. ونحو ذلك، قاله مقاتل. فمن قال: هي أفعال فعلها؛ قال: معنى فأتمهن: عمل بهن. ومن قال: هي دعوات ومسائل؛ قال: معنى فأتمهن: أجابه الله إليهن. وقد روي عن أبي حنيفة أنه قرأ: { إبراهيم } رفع الميم { ربه } بنصب الباء، على معنى: اختبر ربه هل يستجيب دعاءه، ويتخذه خليلاً أم لا؟.

قوله تعالى: { ومن ذريتي } في الذرية قولان. أحدهما: أنها فعلية من الذر، لأن الله أخرج الخلق من صلب آدم كالذر. والثاني: أن أصلها ذرُّورة، على وزن: فعلولة، ولكن لما كثر التضعيف أبدل من الراء الأخيرة ياءً، فصارت: ذروية، ثم أدغمت الواو في الياء، فصارت: ذرية ذكرهما الزجاج، وصوب الأول.

وفي العهد هاهنا سبعة أقوال. أحدها: أنه الإمامة، رواه أبو صالح عن ابن عباس، وبه قال مجاهد، وسعيد بن جبير. والثاني: أنه الطاعة، رواه الضحاك عن ابن عباس. والثالث: الرحمة، قاله عطاء وعكرمة. والرابع: الدين، قاله أبو العالية. والخامس: النبوة، قاله السدي عن أشياخه. والسادس: الأمان، قاله أبو عبيدة. والسابع: الميثاق، قاله ابن قتيبة. والأول أصح.

وفي المراد بالظالمين هاهنا قولان. أحدهما: أنهم الكفار، قاله ابن جبير والسدي. والثاني: العصاة، قاله عطاء.