الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِٱلْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلاَ تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ ٱلْجَحِيمِ }

قوله تعالى: { إِنا أرسلناك بالحق }:

في سبب نزولها قولان. أحدهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال يوماً: " ليت شعري ما فعل أبواي! " ؛ فنزلت هذه الآية، قاله ابن عباس. والثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لو أنزل الله بأسه باليهود لآمنوا " فنزلت هذه الآية، قاله مقاتل.

وفي المراد { بالحق } هاهنا ثلاثة أقوال. أحدها: أنه القرآن، قاله ابن عباس. والثاني: الإسلام، قاله ابن كيسان، و الثالث: الصدق.

قوله تعالى: { ولا تسأل عن }: الأكثرون بضم التاء، على الخبر، والمعنى: لست بمسؤول عن أعمالهم. وقرأ نافع، ويعقوب بفتح التاء وسكون اللام، على النهي عن السؤال عنهم. وجوز أبو الحسن الأخفش أن يكون معنى هذه القراءة: لا تسأل عنهم فإنهم في أمر عظيم. فيكون ذلك على وجه التعظيم لما هم فيه. فأما الجحيم؛ فقال الفراء: الجحيم: النار، والجمر على الجمر. وقال أبو عبيدة: الجحيم: النار المستحكمة المتلظية. وقال الزجاج: الجحيم: النار الشديدة الوقود، وقد جحم فلان النار: إذا شدد وقودها، ويقال لعين الأسد: جحمة لشدة توقدها. ويقال لوقود الحرب، وهو شدة القتال فيها: جاحم. وقال ابن فارس: الجاحم: المكان الشديد الحر. قال الأعشى:
يُعدون للهيجاء قبل لقائها   غداة احتضار البأس والموت جاحم
ولذلك سميت الجحيم. وقال ابن الأنباري: قال أحمد بن عبيد: إنما سميت النار جحيماً، لأنها أكثر وقودها، من قول العرب: جحمت النار أجحمها: إذا أكثرت لها الوقود.

قال عمران بن حطان:
يرى طاعة الله الهدى وخلافه   الضلالة يصلي أهلها جاحم الجمر