الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ ٱلشَّيَـٰطِينُ عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَـٰنَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَـٰنُ وَلَـٰكِنَّ ٱلشَّيَـٰطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ ٱلنَّاسَ ٱلسِّحْرَ وَمَآ أُنْزِلَ عَلَى ٱلْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَـٰرُوتَ وَمَـٰرُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّىٰ يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ ٱلْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ ٱشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي ٱلآخِرَةِ مِنْ خَلَٰـقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ }

قوله تعالى: { واتبعوا ما تتلوا الشياطين }

في سبب نزولها قولان.

أحدهما: أن اليهود كانوا لا يسألون النبي عن شيء من التوراة إلا أجابهم، فسألوه عن السحر وخاصموه به، فنزلت هذه الآية، قاله أبو العالية. والثاني: أنه لما ذكر سليمان في القرآن قالت يهود المدينة: ألا تعجبون لمحمد يزعم أن ابن داود كان نبياً؟! والله ما كان إلا ساحراً، فنزلت هذه الآية. قاله ابن اسحاق.

وتتلوا، بمعنى: تلت، و «على» بمعنى: «في» قاله المبرد. قال الزجاج: وقوله: { على ملك سليمان } أي: على عهد ملك سليمان.

وفي كيفية ما تلت الشياطين على ملك سليمان ستة أقوال.

أحدها: أنه لما خرج سليمان عن ملكه؛ كتبت الشياطين السحر، ودفنته في مصلاه، فلما توفي استخرجوه، وقالوا: بهذا كان يملك الملك، ذكر هذا المعنى أبو صالح عن ابن عباس، وهو قول مقاتل.

والثاني: أن آصف كان يكتب ما يأمر به سليمان، ويدفنه تحت كرسيه، فلما مات سليمان، استخرجته الشياطين، فكتبوا بين كل سطرين سحراً وكذباً، وأضافوه إلى سليمان، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس.

والثالث: أن الشياطين كتبت السحر بعد موت سليمان، ثم أضافته إليه، قاله عكرمة.

والرابع: أن الشياطين ابتدعت السحر، فأخذه سليمان، فدفنه تحت كرسيه لئلا يتعلمه الناس، فلما قبض استخرجته، فعلمته الناس وقالوا: هذا علم سليمان، قاله قتادة.

والخامس: أن سليمان أخذ عهود الدواب، فكانت الدابة إذا أصابت إنساناً طلب إليها بذلك العهد، فتخلّي عنه، فزاد السحرة السجع والسحر، قاله أبو مجلز.

والسادس: أن الشياطين كانت في عهد سليمان تسترق السمع، فتسمع من كلام الملائكة ما يكون في الأرض من موت أو غيث أو أمر، فيأتون الكهنة فيخبرونهم، فتحدث الكهنة الناس، فيجدونه كما قالوا، حتى إذا أمنتهم الكهنة كذبوا لهم [وأدخلوا فيه غيره]، فزادوا مع كل كلمة سبعين كلمة، فاكتتب الناس ذلك الحديث في الكتب، وفشا في بني إسرائيل أن الجن تعلم الغيب، فبعث سليمان في الناس، فجمع تلك الكتب في صندوق، ثم دفنها تحت كرسيه، ولم يكن أحد من الشياطين يستطيع أن يدنو من الكرسي إلا احترق [وقال: لا أسمع أحداً يذكر أن الشياطين يعلمون الغيب إلا ضربت عنقه]، فلما مات سليمان؛ جاء شيطان إلى نفر من بني إسرائيل، فدلهم على تلك الكتب وقال: إنما كان سليمان يضبط أمر الخلق بهذا، ففشا في الناس أن سليمان كان ساحراً، واتخذ بنوا إسرائيل تلك الكتب، فلما جاء محمد، صلى الله عليه وسلم، خاصموه بها، هذا قول السدي.

وسليمان: اسم عبراني، وقد تكلمت به العرب في الجاهلية، وقد جعله النابغة سليماً ضرورة، فقال: ونسج سليم كل قضّاء ذائل.

السابقالتالي
2 3