الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ أَفَرَأَيْتَ ٱلَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لأُوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَداً } * { أَطَّلَعَ ٱلْغَيْبَ أَمِ ٱتَّخَذَ عِندَ ٱلرَّحْمَـٰنِ عَهْداً } * { كَلاَّ سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ ٱلْعَذَابِ مَدّاً } * { وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْداً }

قوله تعالى: { أفرأيتَ الذي كفر بآياتنا } في سبب نزولها قولان.

أحدهما: ما روى البخاري ومسلم في «الصحيحين» من حديث مسروق عن خبَّاب [بن الأرتِّ] قال: كنت رجلاً قَيْنَاً [أي: حداداً] وكان لي على العاص بن وائل دَيْن، فأتيته أتقاضاه، فقال: [لا] والله لا أقضيك حتى تكفر بمحمد، فقلت: لا والله لا أكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم حتى تموت، ثم تُبعث. قال: فإني إِذا مِتُّ ثم بُعثت جئتني ولي ثَمَّ مال وولد، فأعطيتك، فنزلت فيه هذه الآية، إِلى قوله تعالى: { فرداً }.

والثاني: أنها نزلت في الوليد بن المغيرة، وهذا مروي عن الحسن. والمفسرون على الأول.

قوله تعالى: { لأُوتَيَنَّ مالاً وولداً } قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، ونافع، وعاصم، وابن عامر: بفتح الواو. وقرأ حمزة، والكسائي: بضم الواو. وقال الفراء: وهما لغتان، كالعُدم، والعَدم، وليس يجمع، وقيس تجعل الوُلد جمعاً، والوَلد، بفتح الواو، واحداً.

وأين زعم هذا الكافر أن يؤتى المال والولد؟ فيه قولان.

أحدهما: أنه أراد في الجنة على زعمكم.

والثاني: في الدنيا. قال ابن الأنباري: وتقدير الآية: أرأيته مصيباً؟!

قوله تعالى: { أَطَّلَعَ الغيبَ } قال ابن عباس في رواية: أَعَلِمَ ما غاب عنه حتى يعلم أفي الجنة هو، أم لا؟! وقال في رواية أخرى: أَنَظَر في اللوح المحفوظ؟!

قوله تعالى: { أم اتَّخذ عند الرحمن عهداً } فيه ثلاثة أقوال.

أحدها: أم قال: لا إِله إِلا الله، فأرحمه بها؟! قاله ابن عباس.

والثاني: أم قدَّم عملاً صالحاً، فهو يرجوه؟! قاله قتادة.

والثالث: أم عهد إِليه أنه يدخله الجنة؟! قاله ابن السائب.

قوله تعالى: { كلاَّ } أي: ليس الأمر على ما قال من أنه يؤتَى المال والولد. ويجوز أن يكون معنى «كلاَّ» أي: إِنه لم يطَّلع الغيبَ، ولم يتخذ عند الله عهداً. { سنكتب ما يقول } أي: سنأمر الحفظة بإثبات قوله عليه لنجازيَه به، { ونَمُدُّ له من العذاب مَدّاً } أي: نجعل بعض العذاب على إِثر بعض. وقرأ أبو العالية الرياحي، وأبو رجاء العطاردي: «سيكتب» «ويرثه» بياء مفتوحة.

قوله تعالى: { ونرثه ما يقول } فيه قولان.

أحدهما: نرثه ما يقول أنه له في الجنة، فنجعله لغيره من المسلمين، قاله أبو صالح عن ابن عباس، واختاره الفراء.

والثاني: نرث ما عنده من المال، والولد، باهلاكنا إِياه، وإِبطال ملكه، وهو مروي عن ابن عباس أيضاً، وبه قال قتادة. قال الزجاج: المعنى: سنسلبه المال والولد، ونجعله لغيره.

قوله تعالى: { ويأتينا فرداً } أي: بلا مال ولا ولد.