قوله تعالى: { ويقول الإِنسان } سبب نزولها أن أُبيَّ بن خلف أخذ عظماً بالياً، فجعل يفتّه بيده ويذريه في الريح ويقول: زعم لكم محمد أن الله يبعثنا بعد أن نكون مثل هذا العظم البالي، فنزلت هذه الآية، رواه أبو صالح عن ابن عباس. وروى عطاء عن ابن عباس: أنه الوليد بن المغيرة. قوله تعالى: { لسوف أُخْرَجُ حَيّاً } إِن قيل: ظاهره ظاهر سؤال، فأين جوابه؟ فعنه ثلاثة أجوبة ذكرها ابن الأنباري. أحدها: أن ظاهر الكلام استفهام، ومعناه معنى جحد وإِنكار، تلخيصه: لستُ مبعوثاً بعد الموت. والثاني: أنه لمّا استفهم بهذا الكلام عن البعث، أجابه الله عز وجل بقوله: { أَوَلا يَذْكُرُ الإِنسان } ، فهو مشتمل على معنى: نعم، وأنت مبعوث. والثالث: أن جواب سؤال هذا الكافر في [يس: 78] عند قوله تعالى: { وضرب لنا مَثَلاً } ، ولا يُنكَر بُعْد الجواب، لأن القرآن كلَّه بمنزلة الرسالة الواحدة، والسورتان مكيَّتان. قوله تعالى: { أولا يَذكر الإِنسانُ } قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وحمزة، والكسائي: بفتح الذال مشددة الكاف. وقرأ نافع، وعاصم، وابن عامر: «يَذْكُرُ، ساكنة الذال خفيفة. وقرأ أُبيّ بن كعب، وأبو المتوكل الناجي: «أَوَلا يتذكَّر الإِنسان» بياء وتاء. وقرأ ابن مسعود، وابن عباس، وأبو عبد الرحمن السلمي، والحسن: «يذْكُر» بياء من غير تاء ساكنة الذال مخففة مرفوعة الكاف، والمعنى: أَوَلا يتذكَّر هذا الجاحد أوَّل خلقه، فيستدل بالابتداء على الإِعادة؟! { فوربك لنحشرنَّهم } يعني: المكذِّبين بالبعث { والشياطينَ } أي: مع الشياطين، وذلك أن كل كافر يُحشَر مع شيطانه في سلسلة، { ثم لنُحْضِرَنَّهم حول جهنَّم } قال مقاتل: أي: في جهنم، وذلك أن حول الشيء يجوز أن يكون داخلَه، تقول: جلس القوم حول البيت: إِذا جلسوا داخله مطيفين به. وقيل: يجثون حولها قبل أن يدخلوها. فأما قوله: { جِثِيّاً } فقال الزجاج: هو جمع جاثٍ، مثل قاعدٍ وقعودٍ، وهو منصوب على الحال، والأصل ضم الجيم، وجاء كسرها إِتباعاً لكسرة الثاء. وللمفسرين في معناه خمسة أقوال. أحدها: قعوداً، رواه العوفي عن ابن عباس. والثاني: جماعات جماعات، روي عن ابن عباس أيضاً. فعلى هذا هو جمع جثْوة وهي المجموع من التراب والحجارة. والثالث: جثيّاً على الرُّكَب، قاله الحسن، ومجاهد، والزجاج. والرابع: قياماً، قاله أبو مالك. والخامس: قياماً على رُكَبهم، قاله السدي، وذلك لضيق المكان بهم. قوله تعالى: { لَنَنْزِعَنّ مِنْ كل شيعة } أي: لنأخذنّ من كل فِرقة وأُمَّة وأهل دين { أيُّهم أَشَدُّ على الرحمن عَتِيّاً } أي: أعظمهم له معصية، والمعنى: أنه يُبدَأ بتعذيب الأعتى فالأعتى، وبالأكابر جُرْماً، والرؤوس القادة في الشرِّ. قال الزجاج: وفي رفع «أَيُّهم» ثلاثة أقوال. أحدها: أنه على الاستئناف، ولم تعمل «لننزعنَّ» شيئاً، هذا قول يونس. والثاني: أنه على معنى الذي يقال لهم: أيُّهم أشدُّ على الرحمن عِتِيّاً؟ قاله الخليل، واختاره الزجاج، وقال: التأويل: لننزعنّ الذي من أجل عُتُوِّه يقال: أيُّ هؤلاء أَشَدُّ عِتِيّاً؟ وأنشد: