الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُواْ يٰمَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً } * { يٰأُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ ٱمْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً } * { فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُواْ كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي ٱلْمَهْدِ صَبِيّاً } * { قَالَ إِنِّي عَبْدُ ٱللَّهِ آتَانِيَ ٱلْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً } * { وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِٱلصَّلاَةِ وَٱلزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً } * { وَبَرّاً بِوَٰلِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً } * { وَٱلسَّلاَمُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً }

قوله تعالى: { فأتت به قومها تحمله } قال ابن عباس في رواية أبي صالح: أتتهم به بعد أربعين يوماً حين طهرت من نفاسها. وقال في رواية الضحاك: انطلق قومها يطلبونها، فلما رأتْهم حملت عيسى فتلقَّتْهم به، فذلك قوله تعالى: { فأتتْ به قومها تحمله }.

فإن قيل: «أتت به» يغني عن «تحمله» فلا فائدة للتكرير.

فالجواب: أنه لما ظهرت منه آيات، جاز أن يتوهَّم السامع «فأتت به» أن يكون ساعياً على قدميه، فيكون سعية آيةً كنطقه، فقطع ذلك التوهُّمَ، وأعلم أنه كسائر الأطفال، وهذا مِثْل قول العرب: نظرت إِلى فلان بعيني، فنفَوْا بذلك نظر العطف؛ والرحمة، وأثبتوا [أنه] نظرُ عَيْنٍ. وقال ابن السائب: لما دخلت على قومها بَكَوْا، وكانوا قوماً صالحين؛ و { قالوا يا مريم لقد جئت شيئاً فريّاً } وفيه ثلاثة أقوال.

أحدها: شيئاً عظيماً، قاله ابن عباس، ومجاهد، وقتادة. قال الفراء: الفريُّ: العظيم، والعرب تقول: تركته يفري الفريَّ، إِذا عمل فأجاد العمل فَفَضَلَ الناس، قيل هذا فيه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: " فما رأيت عبقرياً يفري فَرْيَ عمر ". والثاني: عَجباً فائقاً، قاله أبو عبيدة.

والثالث: شيئاً مصنوعاً، ومنه يقال: فريت الكذب، وافتريته، قاله اليزيدي. قوله تعالى: { يا أخت هارون } في المراد بهارون هذا خمسة أقوال.

أحدها: أنه أخ لها من أُمِّها، وكان من أمثل فتى في بني إِسرائيل، قاله أبو صالح عن ابن عباس. و قال الضحاك: كان من أبيها وأُمِّها.

والثاني: أنها كانت من بني هارون، قاله الضحاك عن ابن عباس. وقال السدي: كانت من بني هارون أخي موسى عليهما السلام، فنُسبت إِليه، لأنها من ولده.

والثالث: أنه رجل صالح كان في بني إِسرائيل، فشبَّهوها به في الصلاح، وهذا مروي عن ابن عباس أيضاً، وقتادة، ويدل عليه ما روى المغيرة بن شعبة قال: " بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إِلى أهل نجران، فقالوا: ألستم تقرؤون: «يا أخت هارون» وقد علمتم ما كان بين موسى وعيسى؟ فلم أدرِ ما أُجيبهم، فرجعت إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرتُه، فقال: «ألا أخبرتَهم أنهم كانوا يسمُّون بأنبيائهم والصالحين قبلَهم» ". والرابع: أن قوم هارون كان فيهم فُسَّاق وزُنَاةٌ، فنسبوها إِليهم، قاله سعيد بن جبير.

والخامس: أنه رجل من فُسَّاق بني إِسرائيل شبَّهوها به، قاله وهب بن منبِّه. فعلى هذا يخرج في معنى «الأخت» قولان.

أحدهما: أنها الأخت حقيقة.

والثاني: المشابهة، لا المناسبة، كقوله تعالى:وما نريهم من آية إِلا هي أكبر من أختها } [الزخرف: 48].

قوله تعالى: { ما كان أبوكِ } يعنون: عِمران { امرأَ سَوْءٍ } أي: زانياً { وما كانت أُمُّكِ } حنَّة { بَغِيّاً } أي: زانية، فمن أين لكِ هذا الولد؟!

قوله تعالى: { فأشارت } أي: أومأت { إِليه } أي: إِلى عيسى فتكلَّم.

السابقالتالي
2 3