الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ فَحَمَلَتْهُ فَٱنْتَبَذَتْ بِهِ مَكَاناً قَصِيّاً } * { فَأَجَآءَهَا ٱلْمَخَاضُ إِلَىٰ جِذْعِ ٱلنَّخْلَةِ قَالَتْ يٰلَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَـٰذَا وَكُنتُ نَسْياً مَّنسِيّاً } * { فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَآ أَلاَّ تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً } * { وَهُزِّىۤ إِلَيْكِ بِجِذْعِ ٱلنَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً } * { فَكُلِي وَٱشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ ٱلبَشَرِ أَحَداً فَقُولِيۤ إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَـٰنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ ٱلْيَوْمَ إِنسِيّاً }

قوله تعالى: { فحملته } يعني: عيسى.

وفي كيفية حملها له قولان.

أحدهما: أن جبريل نفخ في جيب دِرعها، فاستمرَّ بها حملها، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس. قال السدي: نفخ في جيب درعها وكان مشقوقاً من قُدَّامها، فدخلت النفخة في صدرها فحملت من وقتها.

والثاني: الذي خاطبها هو الذي حملته، ودخل مِنْ فيها، قاله أُبيّ بن كعب.

وفي مقدار حَمْلها سبعة أقوال.

أحدها: أنها حين حملت وضعت، قاله ابن عباس، والمعنى: أنه ما طال حملها، وليس المراد أنها وضعته في الحال، لأن الله تعالى يقول: { فحملته فانتبذت به } ، وهذا يدل على أن بين الحمل والوضع وقتاً يحتمل الانتباذ به.

والثاني: أنها حملته تسع ساعات، ووضعت من يومها، قاله الحسن.

والثالث: تسعة أشهر، قاله سعيد بن جبير، وابن السائب.

والرابع: ثلاث ساعات، حملته في ساعة، وصوِّر في ساعة، ووضعته في ساعة، قاله مقاتل بن سليمان.

والخامس: ثمانية أشهر، فعاش، ولم يعش مولود قط لثمانية أشهر، فكان في هذا آية، حكاه الزجاج.

والسادس: في ستة أشهر، حكاه الماوردي.

والسابع: في ساعة واحدة، حكاه الثعلبي.

قوله تعالى: { فانتبذت به } يعني بالحَمْل { مكاناً قصيّاً } أي: بعيداً. وقرأ ابن مسعود، وابن أبي عبلة: { قاصياً }. قال ابن إِسحاق: مشت ستة أميال. قال الفراء: القصيّ والقاصي بمعنى واحد. وقال غير الفراء: القصيّ والقاصي بمنزلة الشهيد والشاهد. وإِنما بَعُدت، فراراً من قومها أن يعيِّروها بولادتها من غير زوج.

قوله تعالى: { فأجاءها المَخاض } وقرأ عكرمة، وإِبراهيم النخعي، وعاصم الجحدري: «المِخاض» بكسر الميم. قال الفراء: المعنى: فجاء بها المخاض، فلما أُلقيت الباء، جُعلت في الفعل ألفاً، ومثله:آتنا غداءنا } [الكهف: 62] أي: بغدائنا، ومثله:آتوني زُبَر الحديد } [الكهف: 96] أي: بزبر الحديد. قال أبو عبيدة: أفعلها من جاءت هي، وأجاءها غيرها. وقال ابن قتيبة: المعنى: جاء بها، وألجأها، وهو من حيث يقال: جاءت بي الحاجة إِليك، وأجاءَتني الحاجة إِليك، والمَخاض: الحمل. وقال غيره: المخاض: وجع الولادة. { إِلى جِذع النخلة } وهو ساق النخلة، وكانت نخلة يابسة في الصحراء، ليس لها رأس ولا سعف. { قالت يا ليتني مُتُّ قبل هذا } اليوم، أو هذا الأمر. وقرأ نافع، وحمزة، والكسائي، وخلف، وحفص: «مِتُّ» بكسر الميم.

وفي سبب قولها هذا قولان.

أحدهما: أنها قالته حياءً من الناس.

والثاني: لئلا يأثموا بقذفها.

قوله تعالى: { وكنتُ نسياً منسيّاً } قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، والكسائي، وأبو بكر عن عاصم، بكسر النون، وقرأ حمزة، وحفص عن عاصم: «نَسياً» بفتح النون. قال الفراء: وأصحاب عبد الله يقرؤون: «نَسياً» بفتح النون، وسائرالعرب بكسرها، وهما لغتان، مثل الجَسر والجِسر، والوَتر والوِتر، والفتح أحب إِليَّ.

السابقالتالي
2 3 4