الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰيَحْيَىٰ خُذِ ٱلْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ ٱلْحُكْمَ صَبِيّاً } * { وَحَنَاناً مِّن لَّدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيّاً } * { وَبَرّاً بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُن جَبَّاراً عَصِيّاً } * { وَسَلاَمٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَياً }

قوله تعالى: { يا يحيى } قال الزجاج: المعنى: فوهبنا له يحيى، وقلنا له: يا يحيى { خذ الكتاب } يعني: التوراة، وكان مأموراً بالتمسك بها. وقال ابن الأنباري: المعنى: اقبل كُتُبَ الله كلَّها إِيماناً بها واستعمالاً لأحكامها. وقد شرحنا في [البقرة: 63] معنى قوله: { بقوّة }.

قوله تعالى: { وآتيناه الحُكْم } فيه أربعة أقوال.

أحدها: أنه الفهم، قاله مجاهد.

والثاني: اللُّب، قاله الحسن، وعكرمة.

والثالث: العِلْم، قاله ابن السائب.

والرابع: حفظ التوراة وعلْمها، قاله أبو سليمان الدمشقي. وقد زدنا هذا شرحاً في سورة [يوسف: 23]. وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: من قرأ القرآن [من] قبل أن يحتلم، فهو ممن أُوتيَ الحُكم صبيّاً.

فأما قوله: { صبيّاً } ففي سنِّه يوم أُوتيَ الحُكم قولان.

أحدهما: أنه سبع سنين، رواه ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

والثاني: ثلاث سنين، قاله قتادة، ومقاتل.

قوله تعالى: { وحناناً من لَدُنّا } قال الزجاج: أي: وآتيناه حناناً. وقال ابن الأنباري: المعنى: وجعلناه حناناً لأهل زمانه.

وفي الحنان ستة أقوال.

أحدها: أنه الرحمة، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس، وبه قال الحسن، وعكرمة، وقتادة، والضحاك، والفراء، وأبو عبيدة، وأنشد:
تَحَنَّنْ عليَّ هَدَاكَ الملِيك   فإنّ لكلِّ مقامٍ مَقَالاَ
قال: وعامة ما يُستعمَل في المنطق على لفظ الاثنين، قال طرفة:
أبا مُنْذرٍ أفنيتَ فاستبقِ بَعضَنَا   حَنَانَيْكَ بعضُ الشَّرِّ أهونُ مِنْ بَعْضِ
قال ابن قتيبة: ومنه يقال: تحنَّن عليَّ، وأصله من حنين الناقة على ولدها. وقال ابن الأنباري: لم يختلف اللغويون أن الحنان: الرحمة، والمعنى: فعلنا ذلك رحمةً لأبويه، وتزكيةً له. والثاني: أنه التعطف من ربِّه عليه، قاله مجاهد. والثالث: أنه اللِّين، قاله سعيد بن جبير. والرابع: البَرَكة، وروي عن ابن جبير أيضاً. والخامس: المَحبَّة، قاله عكرمة، وابن زيد. والسادس: التعظيم، قاله عطاء بن أبي رباح.

وفي قوله: { وزكاة } أربعة أقوال.

أحدها: أنها العمل الصالح، قاله الضحاك، وقتادة.

والثاني: أن معنى الزكاة: الصدقة، فالتقدير: إِن الله تعالى جعله صدقة تصدّق بها على أبويه، قاله ابن السائب.

والثالث: أن الزكاة: التطهير، قاله الزجاج.

والرابع: أن الزكاة: الزيادة، فالمعنى: وآتيناه زيادة في الخير على ما وُصف وذُكِر، قاله ابن الأنباري.

قوله تعالى: { وكان تقيّاً } قال ابن عباس: جعلته يتَّقيني، ولا يعدل بي غيري.

قوله تعالى: { وبَرّاً بوالديه } أي: وجعلناه بَرّاً بوالديه، والبَرُّ بمعنى: البارّ؛ والمعنى: لطيفاً بهما، محسناً إِليهما. والعَصِيَّ بمعنى: العاصي. وقد شرحنا معنى الجبّار في [هود: 59].

قوله تعالى: { وسلام عليه } فيه قولان.

أحدهما: أنه السلام المعروف من الله تعالى. قال عطاء: سلام عليه مِنِّي في هذه الأيام؛ وهذا اختيار أبي سليمان.

والثاني: أنه بمعنى: السلامة، قاله ابن السائب.

السابقالتالي
2