الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ كۤهيعۤصۤ } * { ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّآ } * { إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ نِدَآءً خَفِيّاً } * { قَالَ رَبِّ إِنَّي وَهَنَ ٱلْعَظْمُ مِنِّي وَٱشْتَعَلَ ٱلرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَآئِكَ رَبِّ شَقِيّاً } * { وَإِنِّي خِفْتُ ٱلْمَوَالِيَ مِن وَرَآءِى وَكَانَتِ ٱمْرَأَتِي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ وَلِيّاً } * { يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَٱجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً }

قوله تعالى: { كهيعص } قرأ ابن كثير: «كهيعص ذِكْر» بفتح الهاء والياء وتبيين الدال التي في هجاء «صاد». وقرأ أبو عمرو: «كهيعص» بكسر الهاء وفتح الياء ويدغم الدال في الذال، وكان نافع يلفظ بالهاء والياء بين الكسر والفتح، ولا يدغم الدال التي في هجاء «صاد» في الذال من «ذِكْر». وقرأ أبو بكر عن عاصم، والكسائي، بكسر الهاء والياء، إِلا أن الكسائي لا يبيِّن الدال، وعاصم يُبيِّنها. وقرأ ابن عامر، وحمزة، بفتح الهاء وكسر الياء ويدغمان. وقرأ أُبيّ بن كعب: «كهيعص» برفع الهاء وفتح الياء. وقد ذكرنا في أول «البقرة» ما يشتمل على بيان هذا الجنس. وقد خصَّ المفسرون هذه الحروف المذكورة هاهنا بأربعة أقوال.

أحدها: أنها حروف من أسماء الله تعالى، قاله الأكثرون. ثم اختلف هؤلاء في الكاف من أي اسم هو، على أربعة أقوال. أحدها: أنه من اسم الله الكبير.

والثاني: من الكريم.

والثالث: من الكافي، روى هذه الأقوال الثلاثة سعيد بن جبير عن ابن عباس.

والرابع: أنه من الملك، قاله محمد بن كعب. فأما الهاء، فكلُّهم قالوا: هي من اسمه الهادي، إِلا القرظي فإنه قال: من اسمه الله. وأما الياء، ففيها ثلاثة أقوال.

أحدها: أنها من حكيم.

والثاني: من رحيم.

والثالث: من أمين، روى هذه الأقوال الثلاثة سعيد بن جبير عن ابن عباس. فأما العين، ففيها أربعة أقوال.

أحدها: أنها من عليم.

والثاني: من عالم.

والثالث: من عزيز، رواها أيضاً سعيد [بن جبير] عن ابن عباس.

والرابع: أنها من عدل، قاله الضحاك. وأما الصاد، ففيها ثلاثة أقوال.

أحدها: أنها من صادق.

والثاني: من صدوق، رواهما سعيد [بن جبير] أيضاً عن ابن عباس.

والثالث: من الصمد، قاله محمد بن كعب.

والقول الثاني: أن «كهيعص» قَسَم أقسم الله به، وهو من أسمائه، رواه عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس. وروي عن عليّ عليه السلام أنه قال: هو اسم من اسماء الله تعالى. وروي عنه أنه كان يقول [يا] كهيعص اغفر لي. قال الزجاج: والقَسَم بهذا والدعاء لا يدل على أنه اسم واحد، لأن الداعي إِذا علم أن الدعاء بهذه الحروف يدل على صفات الله فدعا بها، فكأنه قال: يا كافي، يا هادي، يا عالم، يا صادق، وإِذا أقسم بها، فكأنه قال: والكافي الهادي العالم الصادق، وأُسكنت هذه الحروف لأنها حروف تهجٍّ، النيَّة فيها الوقف.

والثالث: أنه اسم للسورة، قاله الحسن، ومجاهد.

والرابع: اسم من أسماء القرآن، قاله قتادة.

فإن قيل: لم قالوا: ها يا، ولم يقولوا في الكاف: كا، وفي العين: عا، وفي الصاد: صا، لتتفق المباني كما اتفقت العلل؟

فقد أجاب عنه ابن الأنباري، فقال: حروف المعجم التسعة والعشرون تجري مجرى الرسالة والخطبة، فيستقبحون فيها اتفاق الألفاظ واستواء الأوزان، كما يستقبحون ذلك في خطبهم ورسائلهم، فيغيِّرون بعض الكِلَم ليختلف الوزن وتتغيَّر المباني، فيكون ذلك أعذب على الألسن وأحلى في الأسماع.

السابقالتالي
2 3