الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً } * { حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِن دُونِهِمَا قَوْماً لاَّ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً } * { قَالُواْ يٰذَا ٱلْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي ٱلأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلَىٰ أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّاً } * { قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً } * { آتُونِي زُبَرَ ٱلْحَدِيدِ حَتَّىٰ إِذَا سَاوَىٰ بَيْنَ ٱلصَّدَفَيْنِ قَالَ ٱنفُخُواْ حَتَّىٰ إِذَا جَعَلَهُ نَاراً قَالَ آتُونِيۤ أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً } * { فَمَا ٱسْطَاعُوۤاْ أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا ٱسْتَطَاعُواْ لَهُ نَقْباً } * { قَالَ هَـٰذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّآءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقّاً }

قوله تعالى: { ثم أتبع سبباً } أي: طريقاً ثالثاً بين المَشْرِق والمَغْرِب { حتى إِذا بلغ بين السدين } قال وهب بن منبه: هما جبلان منيفان في السماء، من ورائهما البحر، ومن أمامهما البلدان، وهما بمنقطَع أرض التُّرك مما يلي بلاد أرمينية. وروى عطاء الخراساني عن ابن عباس قال: الجبلان من قِبَل أرمينية وأذربيجان. واختلف القراء في «السدّين» فقرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وحفص عن عاصم بفتح السين. وقرأ نافع، وابن عامر، وأبو بكر عن عاصم، وحمزة، والكسائي بضمها.

وهل المعنى واحد، أم لا؟ فيه قولان.

أحدها: أنه واحد. قال ابن الأعرابي: كل ما قابلك فسَدَّ ما وراءه، فهو سَدٌّ، وسُدٌّ، نحو: الضَّعف والضُّعف، والفَقر والفُقر. قال الكسائي، وثعلب: السَّد والسُّد لغتان بمعنى واحد، وهذا مذهب الزجاج.

والثاني: أنهما يختلفان.

وفي الفرق بينهما قولان.

أحدهما: أن ما هو من فعل الله تعالى فهو مضموم، وما هو من فعل الآدميين فهو مفتوح، قاله ابن عباس، وعكرمة، وأبو عبيدة. قال الفراء: وعلى هذا رأيت المشيخة وأهل العلم من النحويين.

والثاني: أن السَّد، بفتح السين: الحاجز بين الشيئين، والسُدُّ، بضمها: الغشاوة في العَيْن، قاله أبو عمرو بن العلاء.

قوله تعالى: { وَجَد من دونهما } يعني: أمام السدين { قوماً لا يكادون يفقهون قولاً } قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وعاصم، وابن عامر: «يَفْقَهُون قولاً» بفتح الياء، أي: لا يكادون يفهمونه. قال ابن الأنباري: قال اللغويون: معناه أنهم يفهمون بعد إِبطاءٍ، وهو كقوله:وما كادوا يفعلون } [البقرة: 71]. قال المفسرون: وإِنما كانوا كذلك لأنهم لا يعرفون غير لغتهم. وقرأ حمزة، والكسائي: «يُفْقِهُون» بضم الياء، أراد: يُفْهِمُون غيرهم. وقيل: كلَّم ذا القرنين عنهم مترجِمون ترجموا.

قوله تعالى: { إِن يأجوج ومأجوج } هما: اسمان أعجميان، وقد همزهما عاصم. قال الليث: الهمز لغة رديئة. قال ابن عباس: يأجوج رجل، ومأجوج رجل، وهما ابنا يافث بن نوح عليه السلام، فيأجوج ومأجوج عشرة أجزاء، وولد آدم كلُّهم جزء، وهم شِبْر وشِبْران وثلاثة أشبار. وقال عليّ عليه السلام: منهم مَنْ طوله شِبْر، ومنهم من هو مُفْرِط في الطُّول، ولهم من الشَّعر ما يواريهم من الحَرِّ والبَرْد. وقال الضحاك: هم جيل من التُّرك. وقال السدي: التُرك سريّة من يأجوج ومأجوج خرجت تُغِير، فجاء ذو القرنين فضرب السَّد، فبقيت خارجه. وروى شقيق عن حذيفة، قال: " سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن يأجوج ومأجوج، فقال: «يأجوج أُمَّة، ومأجوج أُمَّة، كل أُمَّة أربعمائة [ألف] أُمَّة، لا يموت الرجُل منهم حتى ينظر إِلى ألف ذَكَر بين يديه من صُلْبه كُلٌّ قد حمل السلاح؛ قلت: يا رسول الله، صِفْهُم لنا، قال: «هم ثلاثة أصناف، صنف منهم أمثال الأرز»؛ قلت: يا رسول الله: وما الأرز؟ قال: «شجر بالشام، طول الشجرة عشرون ومائة ذراع في السماء؛ وصنف منهم عرضه وطوله سواء، عشرون ومائة ذراع، وهؤلاء الذين لا يقوم لهم جبل ولا حديد، وصنف منهم يفترش أحدهم أذنه، ويلتحف بالأخرى ولا يمرُّون بفيل ولا وحش ولا جمل ولا خنزير إِلا أكلوه، ومن مات منهم أكلوه، مقدِّمتهم بالشام، وساقّهم بخراسان، يشربون أنهار المشرق وبحيرة طبرية» ".

السابقالتالي
2 3