الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً } * { حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ ٱلشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَىٰ قَوْمٍ لَّمْ نَجْعَل لَّهُمْ مِّن دُونِهَا سِتْراً } * { كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْراً }

قوله تعالى: { ثم أَتْبَعَ سبباً } أي: طريقاً آخر يوصله إِلى المَشْرِق. قال قتادة: مضى يفتح المدائن ويجمع الكنوز ويقتل الرجال إِلا من آمن حتى أتى مطلع الشمس فأصاب قوماً في أسرابٍ عراةً، ليس لهم طعام إِلا ما أحرقت الشمس إِذا طلعت، فإذا توسطت السماء خرجوا من أسرابهم في طلب معايشهم مما أحرقته الشمس. وبلغَنا أنهم كانوا في مكان لا يثبت عليه بنيان، فيقال: إِنهم الزنج. قال الحسن: كانوا إِذا غربت الشمس خرجوا يتراعَون كما يتراعى الوحش. وقرأ الحسن، ومجاهد، وأبو مجلز، وأبو رجاء، وابن محيصن: «مَطْلَع الشمس» بفتح اللام. قال ابن الأنباري: ولا خلاف بين أهل العربية في أن المَطْلِع، والمَطْلَع كلاهما يعنى بهما المكانُ الذي تطلع منه الشمس. ويقولون: ما كان على فَعَل يَفْعُل، فالمصدر واسم الموضع يأتيان على المَفْعَل، كقولهم: المَدْخَل، للدخول، والموضِع الذي يُدخَل منه، إِلا أحد عشر حرفاً جاءت مكسورة إِذا أريد بها المواضع، وهي: المَطْلِع، والمَسْكِن، والمَنْسِك، والمَشْرِق، والمَغرِب، والمَسْجِد، والمَنْبِت، والمَجْزِر، والمَفْرِق، والمَسْقِط، والمَهْبِل، الموضع الذي تضع فيه الناقة؛ وخمسة من هؤلاء الأحد عشر حرفاً سُمع فيهن الكسر والفتح: المَطْلِع، والمَطْلَع. والمَنْسِك، والمَنْسَك. والمَجْزِر، والمَجْزَر. والمَسْكِن، والمَسْكَن. والمَنْبِت، والمَنْبَت. فقرأ الحسن على الأصل من احتمال المَفْعل الوجهين الموصوفين [بفتح العين وكسرها]، وقراءة العامة على اختيار العرب وما كثر على ألسنتها، وخصت المَوْضِع بالكسر، وآثرت المصدر بالفتح. قال أبو عمرو: المطلِع، بالكسر: الموضع الذي تطلع فيه؛ والمطلَع، بالفتح: الطُّلوع؛ قال ابن الأنباري: هذا هو الأصل، ثم إِن العرب تتسع فتجعل الاسم نائباً عن المصدر، فيقرؤون: { حتى مَطْلِع الفجر } [القدر: 5] بالكسر وهم يعنون الطُّلوع؛ ويقرأ من قرأ { مَطْلَع الشمس } بالفتح على أنه موضع بمنزلة المدخل الذي هو اسم للموضع الذي يدخل منه.

قوله تعالى: { كذلك } فيه أربعة أقوال.

أحدها: كما بلغ مَغْرِب الشمس بلغ مطلعها.

والثاني: أتبع سبباً كما أتبع سبباً.

والثالث: كما وجد أولئك عند مَغْرِب الشمس وحكم فيهم، كذلك وجد هؤلاء عند مطلعها وحكم فيهم.

والرابع: أن المعنى: كذلك أمْرُهم كما قصصنا عليك؛ ثم استأنف فقال: { وقد أحطنا بما لديه } أي: بما عنده ومعه من الجيوش والعدد. وحكى أبو سليمان الدمشقي: «بما لديه» أي: بما عند مطلع الشمس. وقد سبق معنى الخُبْر [الكهف: 68].