الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ أَمَّا ٱلسَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي ٱلْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَآءَهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً } * { وَأَمَّا ٱلْغُلاَمُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَآ أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَاناً وَكُفْراً } * { فَأَرَدْنَآ أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْراً مِّنْهُ زَكَـاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً } * { وَأَمَّا ٱلْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلاَمَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي ٱلْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَآ أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِـع عَّلَيْهِ صَبْراً }

قوله تعالى: { فكانت لمساكين } في المراد بمسكنتهم قولان.

أحدهما: أنهم كانوا ضعفاءَ في أكسابهم.

والثاني: في أبدانهم. وقال كعب: كانت لعشرة إِخوة، خمسةٍ زمْنى، وخمسةٍ يعملون في البحر.

قوله تعالى: { فأردتُ أن أعيبَها } أي: أجعلها ذات عيب، يعني بخرقها، { وكان وراءهم } فيه قولان.

أحدهما: أمامهم، قاله ابن عباس، وقتادة، وأبو عبيدة، وابن قتيبة. وقرأ أُبيُّ بن كعب، وابن مسعود: «وكان أمامَهم مَلِك».

والثاني: خلفهم؛ قال الزجاج: وهو أجود الوجهين. فيجوز أن يكون رجوعهم في طريقهم كان عليه، ولم يعلموا بخبره، فأعلم الله تعالى الخضرَ خَبَرَه. قوله تعالى { يأخذ كل سفينة غصباً } أي: كل سفينة صالحة. وفي قراءة أُبيِّ [بن كعب]: «كلَّ سفينة صحيحة». قال الخضر: إِنما خرقتها، لأن الملك إِذا رآها منخرقة تركها ورقعها أهلُها فانتفعوا بها.

قوله تعالى: { وأما الغلام } روي عن ابن عباس أنه كان يقرأ: «وأما الغلام فكان كافراً». وروى أُبيّ بن كعب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " «إِن الغلام الذي قتله الخضر طُبع كافراً، ولو عاش لأرهق أبويه طغياناً وكفراً " قال الربيع بن أنس: كان الغلام على الطريق لا يمرُّ به أحدٌ إِلا قتلَه أو غصبه، فيدعو ذلك عليه وعلى أبويه. وقال ابن السائب: كان الغلام لصّاً، فإذا جاء من يطلبه حلف أبواه أنه لم يفعل.

قوله تعالى: { فخشينا } في القائل لهذا قولان.

أحدهما: الله عز وجل. ثم في معنى الخشية المضافة إِليه قولان. أحدهما: أنها بمعنى: العلم. قال الفراء: معناه: فعلمنا. وقال ابن عقيل: المعنى: فعلنا فعل الخاشي.

والثاني: الكراهة، قاله الأخفش، والزجاج.

والثاني: أنه الخضر، فتكون الخشية بمعنى الخوف للأمر المتوهم، قاله ابن الأنباري. وقد استدل بعضهم على أنه من كلام الخضر بقوله: { فأردنا أن يبدلهما ربهما }. قال الزجاج: المعنى: فأراد الله، لأن لفظ الخبر عن الله تعالى هكذا أكثر من أن يحصى. ومعنى { يرهقهما }: يحملهما على الرَّهَق، وهو الجهل. قال أبو عبيدة: «يُرْهِقَهُما»: يغشِيَهما. قال سعيد بن جبير: خشينا أن يحملَهما حُبُّه على أن يدخلا في دينه. وقال الزجاج: فرحا به حين ولد، وحزنا عليه حين قتل، ولو بقي كان فيه هلاكهما، فرضي امروءٌ بقضاء الله، فإن قضاء الله للمؤمن فيما يكره، خير له من قضائه فيما يحب.

قوله تعالى: { فأردنا أن يبدلَهما ربهما } قرأ ابن كثير، وأبو بكر عن عاصم: «أن يُبْدِلَهُما» بالتخفيف. وقرأ نافع، وأبو عمرو بالتشديد.

قوله تعالى: { خيراً منه زكاةً } فيه ثلاثة أقوال.

أحدها: ديناً، قاله ابن عباس.

والثاني: عملاً، قاله مقاتل.

والثالث: صلاحاً، قاله الفراء.

قوله تعالى: { وأقربَ رُحْماً } قرأ ابن كثير، ونافع، وعاصم، وحمزة، والكسائي: «رُحْماً» ساكنة الحاء، وقرأ ابن عامر: «رُحُماً» مثقلة.

السابقالتالي
2