الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُواْ شُرَكَآئِيَ ٱلَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُمْ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُم مَّوْبِقاً } * { وَرَأَى ٱلْمُجْرِمُونَ ٱلنَّارَ فَظَنُّوۤاْ أَنَّهُمْ مُّوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُواْ عَنْهَا مَصْرِفاً }

قوله تعالى: { ويوم يقول } وقرأ حمزة: «نقول» بالنون، يعني: يوم القيامة { نادوا شركائيَ } أضاف الشركاء إِليه على زعمهم، والمراد: نادوهم لدفع العذاب عنكم، أو الشفاعة لكم، { الذين زعمتم } أي: زعمتموهم شركاء { فَدَعَوْهم فلم يستجيبوا لهم } أي: لم يجيبوهم، { وجعلنا بينهم } في المشار إِليهم قولان.

أحدهما: أنهم المشركون والشركاء.

والثاني: أهل الهدى وأهل الضلالة.

وفي معنى { مَوْبقاً } ستة أقوال.

أحدها: مَهْلِكاً، قاله ابن عباس، وقتادة، والضحاك. وقال ابن قتيبة: مَهْلِكاً بينهم وبين آلهتهم في جهنم، ومنه يقال: أَوبَقتْه ذنوبُه، [أي: أهلكتْه]. قال الزجاج: [المعنى]: جعلنا بينهم من العذاب ما يوبقهم، أي: يهلكهم، فالمَوْبق: المهلك، يقال: وَبِق، يَيْبَقُ، ويابَق، وبَقاً، ووَبَق، يَبِق، وُبُوقاً، فهو وابق؛ وقال الفراء: جعلنا تواصُلهم في الدنيا مَوْبِقاً، أي: مَهْلِكاً لهم في الآخرة، فالبَيْن، على هذا القول، بمعنى التواصل، كقوله تعالى:لقد تَقَطَّع بينُكم } [الأنعام: 94] على قراءة من ضمن النون.

والثاني: أن المَوْبِق: وادٍ عميق يُفرَّق به بين أهل الضلالة وأهل الهدى، قاله عبد الله بن عمرو.

والثالث: أنه وادٍ في جهنم، قاله أنس بن مالك، ومجاهد.

والرابع: أن معنى المَوْبِق: العدواة، قاله الحسن.

والخامس: أنه المَحْبِس، قاله الربيع بن أنس.

والسادس: أنه المَوْعِد، قاله أبو عبيدة.

قال ابن الأنباري: إِن قيل: لم قال: «مَوْبِقاً» ولم يقل: «مُوبِقاً»، بضم الميم، إِذ كان معناه عذاباً مُوبقاً؟

فالجواب: أنه اسم موضوع لمَحْبِس في النار، والأسماء لا تؤخذ بالقياس، فيُعلم أن «مَوْبِقاً»: مَفْعِل، من أوبقه الله: إِذا أهلكه، فتنفتح الميم، كما تنفتح في «مَوْعِد» و«مَوْلِد» و«مَحْتِد» إِذا سمّيت الشخوص بهنَّ.

قوله تعالى: { ورأى المجرمون النار } أي: عاينوها وهي تتغيَّظ حنقاً عليهم. والمراد بالمجرمين: الكفار. { فَظَنُّوا } أي: أيقنوا { أنهم مُواقِعُوها } أي: داخلوها. ومعنى المواقعة: ملابسة الشيء بشدَّة { ولم يجدوا عنها مَصْرِفا } أي: مَعْدِلاً؛ والمَصْرِف: الموضع الذي يُصْرَف إِليه، وذلك أنها أحاطت بهم من كل جانب، فلم يقدروا على الهَرَب.