الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَوْمَ نُسَيِّرُ ٱلْجِبَالَ وَتَرَى ٱلأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً } * { وَعُرِضُواْ عَلَىٰ رَبِّكَ صَفَّاً لَّقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّن نَّجْعَلَ لَكُمْ مَّوْعِداً } * { وَوُضِعَ ٱلْكِتَابُ فَتَرَى ٱلْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يٰوَيْلَتَنَا مَالِ هَـٰذَا ٱلْكِتَابِ لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُواْ مَا عَمِلُواْ حَاضِراً وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً } * { وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاۤئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لأَدَمَ فَسَجَدُوۤاْ إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ ٱلْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً } * { مَّآ أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَلاَ خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ ٱلْمُضِلِّينَ عَضُداً }

قوله تعالى: { ويوم تُسَيَّر الجبال } قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وابن عامر: «ويوم تُسَيَّر» بالتاء «الجبالُ» رفعاً. وقرأ نافع. وعاصم، وحمزة، والكسائي: «نُسَيِّرُ» بالنون «الجبالَ» نصباً. وقرأ ابن محيصن: «ويوم تَسِيْرُ» بفتح التاء وكسر السين وتسكين الياء «الجبالُ» بالرفع. قال الزجاج: «ويوم» منصوب على معنى: اذكر، ويجوز أن يكون منصوباً على: والباقيات الصالحات خير يومَ تَسِيرُ الجبال. قال ابن عباس: تُسيَّر الجبال عن وجه الأرض، كما يُسيَّر السحاب في الدنيا، ثم تكسّر فتكون في الأرض كما خرجت منها.

قوله تعالى: { وترى الأرض بارزة } وقرأ عمرو بن العاص، وابن السميفع، وأبو العالية: «وتُرى الأرضُ بارزةً» برفع التاء والضاد. وقرأ أبو رجاء العطاردي كذلك، إِلا أنه فتح ضاد «الأرضَ».

وفي معنى «بارزة» قولان. أحدهما: [ظاهرة] فليس عليها شيء من جبل أو شجر أو بناءٍ، قاله الأكثرون.

والثاني: بارزاً أهلها من بطنها، قاله الفراء.

قوله تعالى: { وحشرناهم } يعني المؤمنين والكافرين { فلم نُغادِر } قال ابن قتيبة: أي: فلم نُخَلِّف، يقال: غادرتُ كذا: إِذا خلّفته، ومنه سمي الغَدِير، لأنه ماءٌ تُخَلِّفُه السيول. وروى أبان: «فلم تغادر» بالتاء.

قوله تعالى: { وعُرضوا على ربك صفاً } إِن قيل: هذا أمر مستقبل، فكيف عُبِّر [عنه] بالماضي؟ فالجواب: أن ما قد علم الله وقوعه، يجري مجرى المعايَن، كقوله:ونادى أصحاب الجنة } [الأعرف: 43].

وفي معنى قوله: { صفاً } أربعة أقوال.

أحدها: أنه بمعنى: جميعاً، كقوله:ثم ائتوا صفاً } [طه: 64]، قاله مقاتل.

والثاني: أن المعنى: وعُرضوا على ربِّك مصفوفين، هذا مذهب البَصريين.

والثالث: أن المعنى: وعُرضوا على ربِّك صفوفاً، فناب الواحد عن الجميع، كقوله:ثم نُخْرِجُكم طفلاً } [الحج: 5].

والرابع: أنه لم يَغِبْ عن الله منهم أحد، فكانوا كالصف الذي تسهل الإِحاطة بجملته، ذكر هذه الأقوال ابن الأنباري. وقد قيل: إِن كلَّ أمة وزمرة صفٌّ.

قوله تعالى: { لقد جئتمونا } ، فيه إِضمار «فيقال لهم».

وفي المخاطبين بهذا قولان.

أحدهما: أنهم الكُلّ.

والثاني: الكُفار، فيكون اللفظ عامّاً، والمعنى خاصّاً. وقوله: { كما خلقناكم أول مَرَّة } مفسر في [الأنعام: 94]. وقوله: { بل زعمتم } خطاب الكفار خاصة، والمعنى: زعمتم في الدنيا { أن لن نجعل لكم موعداً } للبعث، والجزاء.

قوله تعالى: { ووُضع الكتاب } فيه ثلاثة أقوال.

أحدها: أنه الكتاب الذي سُطِر فيه ما تعمل الخلائق قبل وجودهم، قاله ابن عباس.

والثاني: أنه الحساب، قاله ابن السائب.

والثالث: كتاب الأعمال، قاله مقاتل. وقال ابن جرير: وُضع كتاب أعمال العباد في أيديهم، فعلى هذا، الكتاب اسم جنس.

قوله تعالى: { فترى المجرمين } قال مجاهد: [هم] الكافرون. وذكر بعض أهل العلم أن كل مجرم ذُكر في القرآن، فالمراد به: الكافر.

قوله تعالى: { مشفقين } أي: خائفين { مما فيه } من الأعمال السيئة { ويقولون يا ويلتنا } هذا قول كل واقع في هَلَكة.

السابقالتالي
2 3