الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَآ أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يٰلَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً } * { وَلَمْ تَكُن لَّهُ فِئَةٌ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَمَا كَانَ مُنْتَصِراً } * { هُنَالِكَ ٱلْوَلاَيَةُ لِلَّهِ ٱلْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَاباً وَخَيْرٌ عُقْباً }

قوله تعالى: { وأحيط بثمره } أي: أحاط اللهُ العذابَ بثمره، وقد سبق معنى الثمر. { فأصبح يقلِّب كفيه } أي: يضرب بيد على يد، وهذا فعل النادم، { على ما أنفق فيها } أي: في جنته، و«في» هاهنا بمعنى «على». { وهي خاوية } أي: خالية ساقطة { على عروشها } والعُروش: السقوف، والمعنى: أن حيطانها قائمة والسقوف قد تهدَّمت فصارت في قرارها، فصارت الحيطان كأنها على السقوف، { ويقول يا ليتني لم أُشرك بربِّي أحداً } فأخبر الله تعالى أنه لما سلبه ما أنعم به عليه، وحقق ما أنذره [به] أخوه في الدنيا، ندم على شِركه حين لا تنفعة الندامة. وقيل: إِنما يقول هذا في القيامة. { ولم تكن له فئة } قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وعاصم: «ولم تكن» بالتاء. وقرأ حمزة، والكسائي، وخلف: «ولم يكن» بالياء. والفئة: الجماعة { ينصرونه } أي: يمنعونه من عذاب الله.

قوله تعالى: { هنالك الوَلاية } قرأ ابن كثير، ونافع، وابن عامر، وعاصم: «الوَلاية» بفتح الواو و { للهِ الحقِّ } خفضاً. وقرأ حمزة: «الوِلاية» بكسر الواو، و«لله الحقِّ» بكسر القاف أيضاً. وقرأ أبو عمرو بفتح الواو، ورفع «الحقُّ»، ووافقه الكسائيُّ في رفع القاف، لكنه كسر «الوِلاية»، قال الزجاج: معنى الولاية في [مثل] تلك الحال: تبيين نصرة وليِّ الله. وقال غيره: هذا الكلام عائد إِلى ما قبل قصة الرجلين. فأما من فتح واو «الوَلاية» فإنه أراد الموالاة والنصرة، ومن كسر، أراد السلطان والملك على ما شرحنا في آخر [الأنفال: 72]. فعلى قراءة الفتح، في معنى الكلام قولان.

أحدهما: أنهم يتوَلَّون الله تعالى في القيامة، ويؤمنون به، ويتبرَّؤون مما كانوا يعبدون، قاله ابن قتيبة.

والثاني: هنالك يتولَّى اللهُ أمرَ الخلائق، فينصر المؤمنين ويخذل الكافرين. وعلى قراءة الكسر، يكون المعنى: هنالك السُّلطان لله. قال أبو علي: من كسر قاف «الحقِّ»، جعله من وصف الله عزَّ وجلَّ، ومن رفعه جعله صفة للولاية.

فإن قيل: لم نُعتت الولاية وهي مؤنثة بالحقِّ وهو مصدر؟ فعنه جوابان ذكرهما ابن الأنباري.

أحدهما: أن تأنيثها ليس حقيقياً، فحُملت على معنى النصر؛ والتقدير: هنالك النصر لله الحقُّ، كما حُملت الصيحة على معنى الصياح في قوله:وأخذَ الذين ظلموا الصيحةُ } [هود: 67].

والثاني: أن الحقَّ مصدر يستوي في لفظه المذكَّر والمؤنث والاثنان والجمع، فيقال: قولك حق، وكلمتك حق، وأقوالكم حق. ويجوز ارتفاع الحق على المدح للولاية، وعلى المدح لله تعالى بإضمار «هو».

قوله تعالى: { هو خير ثواباً } أي: هو أفضل ثواباً ممن يُرجى ثوابه، وهذا على تقدير أنه لو كان غيره يثيب لكان ثوابه أفضل.

قوله تعالى: { وخير عُقبا } قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، والكسائي: «عُقُباً» مضمومة القاف. وقرأ عاصم، وحمزة: «عُقْباً» ساكنة القاف. قال أبو علي: ما كان [على] «فُعُل» جاز تخفيفه، كالعُنُق، والطُّنُب، قال أبو عبيدة: العُقُب، والعُقْب، والعُقْبى، والعاقبة، بمعنى، وهي الآخرة، والمعنى: عاقبة طاعة الله خير من عاقبة طاعة غيره.