الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً } * { أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ ٱلأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَاباً خُضْراً مِّن سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى ٱلأَرَآئِكِ نِعْمَ ٱلثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً }

قوله تعالى: { إِن الذين آمنوا وعملوا الصالحات } قال الزجاج: خبر «إِن» هاهنا على ثلاثة أوجه. أحدها: أن يكون على إِضمار: { إِنا لا نُضيع أجر من أحسن عملاً } منهم، ولم يحتج إِلى ذكر «منهم» لأن الله تعالى قد أعلَمنا أنه محبطٌ عملَ غير المؤمنين.

والثاني: أن يكون خبر «إِن»: { أولئك لهم جنات عدن } ، فيكون قوله: { إِنا لا نُضيع } قد فصل به بين الاسم وخبره، لأنه يحتوي على معنى الكلام الأول، لأن من أحسن عملاً بمنزلة الذين آمنوا.

والثالث: أن يكون الخبر: { إِنا لا نضيع أجر من أحسن عملاً } ، بمعنى: إِنّا لا نُضيع أجرهم.

قال المفسرون: ومعنى { لا نضيع أجر من أحسن عملاً } أي: لا نترك أعماله تذهب ضَياعاً، بل نُجازيه عليها بالثواب.

فأما الأَساور، فقال الفراء: في الواحد منها ثلاث لغات: إِسوار، وسِوار، وسُوار؛ فمن قال: إِسوار، جمعَه أساور، ومن قال: سِوار أو سُوار، جمعَه أسْوِرة، وقد يجوز أن يكون واحد أَساورة وأَساور: سِوار؛ وقال الزجاج: الأَساور جمع أَسْوِرَة، وأَسْوِرَة جمع سِوَار، يقال: سِوار اليد، بالكسر، وقد حكي: سُوار. قال المفسرون: لما كانت الملوك تلبَس في الدنيا الأساور في اليد والتيجان على الرؤوس، جعل الله ذلك لأهل الجنة. قال سعيد بن جبير: يُحلَّى كلُّ واحد منهم بثلاثة من الأساور، واحدٍ من فضة، وواحدٍ من ذهب، وواحدٍ من لؤلؤ ويواقيت.

فأما «السُّنْدُسُ» و«الإِستبرق»، فقال ابن قتيبة: السُّندس: رقيق الديباج، والإِستبرق ثخينه. وقرأت على شيخنا أبي منصور اللغوي، قال: السندس: رقيق الديباج، لم يختلف أهل اللغة في أنه معرَّب، قال الراجز:
وليلة من الليالي حِندِسِ   لون حواشيها كلون السندس
والاستبرق: غليظ الديباج، فارسي معرَّب، وأصله إِسْتفْرَهْ. وقال ابن دريد: إِستَرْوَهْ، ونقل من العجمية إِلى العربية، فلوا حُقِّر «إِستبرق»، أو كُسِّر، لكان في التحقير «أُبَيْرِق»، وفي التكسير «أبارق» بحذف السين، والتاء جميعاً.

قوله تعالى: { متكئين فيها } الاتّكاء: التحامل على الشيء. قال أبو عبيدة: والأرائك: الفُرُش في الحِجَال، ولا تكون الأريكة إِلا بحَجَلة وسرير، وقال ابن قتيبة: الأرائك: السُّرُر في الحِجال، واحدها: أريكة. وقال ثعلب: لا تكون الأريكة إِلا سريراً في قُبَّة عليه شَواره ومتاعه؛ قال ابن قتيبة: الشَّوار، مفتوح الشين، وهو متاع البيت. وقال الزجاج: الأرائك: الفُرُش في الحِجال. قال: وقيل: إِنها الفُرُش، وقيل: الأسِرَّة، وهي على الحقيقة: الفُرُش كانت في حِجال لهم.