الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَبِثُواْ فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِاْئَةٍ سِنِينَ وَٱزْدَادُواْ تِسْعاً } * { قُلِ ٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُواْ لَهُ غَيْبُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً }

قوله تعالى: { ولبثوا في كهفهم ثلاثمائةٍ سنين } قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وعاصم، وابن عامر: «ثلاثمائةٍ سنين» منوَّناً. وقرأ حمزة، والكسائي: «ثلاثمائةِ سنين» مضافاً غير منوَّن. قال أبو علي: العدد المضاف إِلى الآحاد قد جاء مضافاً إِلى الجميع، قال الشاعر:
ومَا زَوَّدُوني غير سَحْقِ عِمامةٍ   وَخَمْسِمِىءٍ منها قَسِيٌّ وزائفُ
وفي هذا الكلام قولان.

أحدهما: أنه حكاية عما قال الناس في حقهم، وليس بمقدار لبثهم، قاله ابن عباس، واستدل عليه فقال: لو كانوا لبثوا ذلك، لما قال: { الله أعلم بما لبثوا } ، وكذلك قال قتادة، وهذا قول أهل الكتاب.

والثاني: أنه مقدار ما لبثوا، قاله عبيد بن عمير، ومجاهد، والضحاك، وابن زيد؛ والمعنى: لبثوا هذا القدر من يوم دخلوه إِلى أن بعثهم الله وأطلع الخلق عليهم.

قوله تعالى: { سنين } قال الفراء، وأبو عبيدة، والكسائي، والزجاج: التقدير: سنين ثلاثمائة. وقال ابن قتيبة: المعنى: أنها لم تكن شهوراً ولا أيّاماً، وإِنما كانت سنين. وقال أبو علي الفارسي: «سنين» بدل من قوله: «ثلاثمائة». قال الضحاك: نزلت: { ولبثوا في كهفهم ثلاثمائةٍ } فقالوا: أياماً، أو شهوراً، أو سنين؟ فنزلت: «سنين» فلذلك قال: «سنين»، ولم يقل: سنة. قوله تعالى: { وازدادوا تسعاً } يعني: تسع سنين، فاستغنى عن ذِكْر السنين بما تقدَّم من ذِكْرها. ثم أعلمَ أنه أعلمُ بقدْر مدة لبثهم من أهل الكتاب المختلفين فيها، فقال: { قل الله أعلم بما لبثوا } قال ابن السائب: قالت نصارى نجران: أما الثلاثمائة، فقد عرفناها، وأما التسع، فلا عِلْم لنا بها، فنزل قوله تعالى: { قل الله أعلم بما لبثوا } وقيل: إِن أهل الكتاب قالوا: إِن للفتية منذ دخلوا الكهف إِلى يومنا هذا ثلاثمائة وتسع سنين، فرد الله تعالى عليهم ذلك، وقال: «قل الله أعلم بما لبثوا» بعد أن قبض أرواحهم إِلى يومكم هذا، لا يعلم ذلك غيرُ الله. وقيل: إِنما زاد التسع، لأنه تفاوت ما بين السنين الشمسية والسنين القمرية، حكاه الماوردي.

قوله تعالى: { أَبصِرْ به وأَسمِعْ } فيه قولان.

أحدهما: أنه على مذهب التعجب، فالمعنى: ما أسمع الله به وأبصر، أي: هو عالم بقصة أصحاب الكهف وغيرهم، هذا قول الزجاج، وذكر أنه إِجماع العلماء.

والثاني: أنه في معنى الأمر، فالمعنى: أَبصِر بِدِين الله وأَسمِع، أي: بصّر بهدى الله وسمِّع، فترجع الهاء إِما على الهدى، وإِما على الله عز وجل، ذكره ابن الأنباري.

قوله تعالى: { ما لهم من دونه } أي: ليس لأهل السموات والأرض من دون الله من ناصر، { ولا يُشرِك في حكمه أحداً } ولا يجوز أن يحكم حاكم بغير ما حكم به، وليس لأحد أن يحكم من ذات نفسه فيكون شريكاً لله عز وجل في حكمه. وقرأ ابن عامر: «ولا تُشرِكْ» جزماً بالتاء، والمعنى: لا تشرك أيها الإِنسان.