الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِٱلْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ فَلاَ تُمَارِ فِيهِمْ إِلاَّ مِرَآءً ظَاهِراً وَلاَ تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِّنْهُمْ أَحَداً } * { وَلاَ تَقُولَنَّ لِشَاْىءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذٰلِكَ غَداً } * { إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ وَٱذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَىٰ أَن يَهْدِيَنِ رَبِّي لأَقْرَبَ مِنْ هَـٰذَا رَشَداً }

قوله تعالى: { سيقولون ثلاثةُ } قال الزجاج: «ثلاثة» مرفوع بخبر الابتداء، المعنى: سيقول الذين تنازعوا في أمرهم [هم] ثلاثةٌ. وفي هؤلاء القائلين قولان.

أحدهما: أنهم نصارى نجران، ناظروا رسول الله صلى الله عليه وسلم في عِدَّة أهل الكهف، فقالت الملكيَّة: هم ثلاثة رابعهم كلبهم، وقالت اليعقوبية: هم خمسة سادسهم كلبهم، وقالت النسطورية: هم سبعة وثامنهم كلبهم، فنزلت هذه الآية، رواه الضحاك عن ابن عباس.

والثاني: أنهم أهل مدينتهم قبل ظهورهم عليهم، ذكره الماوردي.

قوله تعالى: { رجماً بالغيب } أي: ظنّاً غير يقين، قال زهير:
ومَا الحَرْبُ إِلاَّ ما علمْتُمْ وَذُقْتُمُ   ومَا هُوَ عَنْهَا بالحَدِيثِ المُرَجَّمِ
فأما دخول الواو في قوله: { وثامنهم كلبهم } ولم تدخل فيما قبل هذا، ففيه أربعة أقوال.

أحدها: أن دخولها وخروجها واحد، قاله الزجاج.

والثاني: أن ظهور الواو في الجملة الثامنة دلالة على أنها مرادة في الجملتين المتقدمتين، فأعلم بذكرها هاهنا أنها مرادة فيما قبل، وإِنما حذفت تخفيفاً، ذكره أبو نصر في شرح «اللمع».

والثالث: أن دخولها يدل على انقطاع القصة، وأن الكلام قد تمَّ، ذكره الزجاج أيضاً، وهو قول مقاتل بن سليمان، فإن الواو تدل على تمام الكلام قبلها، واستئناف ما بعدها؛ قال الثعلبي: فهذه واو الحكم والتحقيق، كأن الله تعالى حكى اختلافهم، فتم الكلام عند قوله: { ويقولون سبعة } ، ثم حكم أن ثامنهم كلبهم. وجاء في بعض التفسير أن المسلمين قالوا عند اختلاف النصارى: هم سبعة، فحقَّق الله قول المسلمين.

والرابع: أن العرب تعطف بالواو على السبعة، فيقولون: ستة، سبعة، وثمانية، لأن العقد عندهم سبعة، كقوله: { التائبون العابدون... } إِلى أن قال في الصفة الثامنة:والناهون عن المنكر } [التوبة: 112]، وقوله في صفة الجنة:وفتحت أبوابها } [الزمر: 73] وفي صفة النار:فتحت أبوابها } [الزمر: 71]، لأن أبواب النار سبعة، وأبواب الجنة ثمانية، ذكر هذا المعنى أبو إِسحاق الثعلبي.

وقد اختلف العلماء في عددهم على قولين.

أحدهما: أنهم كانوا سبعة، قاله ابن عباس.

والثاني: ثمانية، قاله ابن جريج، وابن إِسحاق. وقال ابن الأنباري: وقيل: معنى قوله: { وثامنهم كلبهم }: صاحب كلبهم، كما يقال: السخاء حاتم، والشِّعر زهير، أي: السخاء سخاء حاتم، والشِّعر شِعر زهير. وأما أسماؤهم، فقال هُشَيْم: مكسلمينا، ويمليخا، وطَرينوس، وسَدينوس، وسَرينوس، ونَواسس، ويرانوس، وفي التفسير خلاف في أسمائهم فلم أُطل به.

واختلفوا في كلبهم لمن كان على ثلاثة أقوال.

أحدها: أنه كان لراع مَرّوا به فتبعهم الراعي والكلب، قاله ابن عباس.

والثاني: أنه كان لهم يتصيدون عليه، قاله عبيد بن عمير.

والثالث: أنهم مَرّوا بكلب فتبعهم، فطردوه، فعاد، ففعلوا ذلك به مراراً، فقال لهم الكلب: ما تريدون مني؟! لا تخشوا جانبي أنا أُحِبُّ أَحِبَّاءَ الله، فناموا حتى أحرسَكم، قاله كعب الأحبار.

السابقالتالي
2 3