الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ قُل لَّوْ كَانَ ٱلْبَحْرُ مِدَاداً لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ ٱلْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً }

قوله تعالى: { قل لو كان البحر مداداً لكلمات ربي } سببب نزولها أنه لما نزل قوله تعالى:وما أوتيتم من العلم إِلا قليلاً } [الإسراء: 85] قالت اليهود: كيف وقد أوتينا التوراة وفيها علم كل شيء؟ فنزلت هذه الآية، قاله ابن عباس. ومعنى الآية: لو كان ماء البحر مداداً يُكتَب به. قال مجاهد: [والمعنى]: لو كان البحر مداداً للقلم، والقلم يكتب. وقال ابن الأنباري: سمي المداد مداداً لإِمداده الكاتب، وأصله من الزيادة ومجيء الشيء بعد الشيء. وقرأ الحسن، والأعمش: «مدداً لكلمات ربِّي» بغير ألف.

قوله تعالى: { قبل أن تنفدَ كلمات ربي } قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وعاصم: «تنفد» بالتاء. وقرأ ابن عامر، وحمزة، والكسائي: «ينفد» بالياء. قال أبو علي: التأنيث أحسن، لأن المُسنَد إِليه الفعلُ مؤنث، والتذكير حسن، لأن التأنيث ليس بحقيقي، وإِنما لم تنفد كلمات الله، لأن كلامه صفة من صفات ذاته، ولا يتطرق على صفاته النفاد، { ولو جئنا بمثله } أي: بمثل البحر { مدداً } أي: زيادة؛ والمدد: كل شيء زاد في شيء.

فإن قيل: لم قال في أول الآية: «مداداً» وفي آخرها: «مدداً» وكلاهما بمعنى واحد، واشتقاقهما غير مختلف؟

فقد أجاب عنه ابن الأنباري فقال: لما كان الثاني آخر آية، وأواخر الآيات هاهنا أتت على الفُعُل، والفِعَل، كقوله: «نُزُلاً» «هُزُواً» «حِوَلاً» كان قوله: «مَدَداً» أشبه بهؤلاء الألفاظ من المداد، واتفاقُ المقاطع عند أواخر الآي، وانقضاء الأبيات، وتمام السجع والنثر، أخف على الألسن، وأحلى موقعاً في الأسماع، فاختلفت اللفظتان لهذه [العلة]. وقد قرأ ابن عباس، وسعيد ابن جبير، ومجاهد، وأبو رجاء، وقتادة، وابن محيصن: «ولو جئنا بمثله مداداً» فحملوها على الأولى، ولم ينظروا إِلى المقاطع. وقراءة الأوَّلِين أَبْيَن حُجَّة، وأوضح منهاجاً.