الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَىٰ أَكْثَرُ ٱلنَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً } * { وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفْجُرَ لَنَا مِنَ ٱلأَرْضِ يَنْبُوعاً } * { أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ ٱلأَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيراً } * { أَوْ تُسْقِطَ ٱلسَّمَآءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِٱللَّهِ وَٱلْمَلاۤئِكَةِ قَبِيلاً } * { أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَىٰ فِي ٱلسَّمَآءِ وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَّقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلاَّ بَشَراً رَّسُولاً }

قوله تعالى: { ولقد صرَّفْنا للناس في هذا القرآن } قد فسَّرناه في هذه السورة [الاسراء: 41]، والمعنى: من كل مَثَل من الأمثال التي يكون بها الاعتبار { فأبى أكثر الناس } يعني أهل مكة { إِلا كُفوراً } أي: جحوداً للحق وإِنكاراً.

قوله تعالى: { وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجِّر لنا من الأرض يَنبوعا } سبب نزول هذه الآية وما يتبعها، " أن رؤساء قريش، كعُتبة، وشيبة، وأبي جهل، وعبد الله بن أبي أُمية، والنضر بن الحارث في آخرين، اجتمعوا عند الكعبة، فقال بعضهم لبعض: ابعثوا إِلى محمد فكلِّموه وخاصموه حتى تُعذَروا فيه، فبعثوا إِليه: إِن أشراف قومك قد اجتمعوا ليكلِّموك، فجاءهم سريعاً، وكان حريصاً على رشدهم، فقالوا: يا محمد، إِنا والله لا نَعلم رجلاً من العرب أدخل على قومه ما أدخلت على قومك، لقد شتمت الآباء، وعبت الدين، وسفَّهت الأحلام، وفرَّقت الجماعة، فإن كنتَ إِنما جئتَ بهذا لتطلب مالاً، جعلنا لك من أموالنا ما تكون به أكثرنا مالاً، وإِن كنتَ إِنما تطلب الشرف فينا، سوَّدناك علينا، وإِن كان هذا الرَّئِيُّ الذي يأتيك قد غلب عليك، بذلنا أموالنا في طلب الطِّب لك حتى نُبْرِئك منه، أو نُعْذَر فيك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِن تقبلوا مِنِّي [ما جئتكم به]، فهو حظكم في الدنيا والآخرة، وإِن تردُّوه عليَّ، أصبر لأمر الله حتى يحكم الله بيني وبينكم». قالوا: يا محمد، فإن كنتَ غير قابل مِنّا ما عرضنا، فقد علمتَ أنه ليس من الناس أحد أضيقَ بلاداً ولا أشد عيشاً منا، سل لنا ربك يُسيِّر لنا هذه الجبال التي ضيِّقت علينا، ويُجري لنا أنهاراً، ويبعث من مضى من آبائنا، ولْيكن فيمن يبعث لنا منهم قصيّ بن كلاب، فإنه كان شيخاً صدوقاً، فنسألهم عما تقول: أحق هو؟ فإن فعلتَ صدَّقناك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما بهذا بُعثتُ، وقد أبلغتكم ما أُرسلتُ به»؛ قالوا: فَسَلْ ربَّك أن يبعثَ مَلَكاً يصدِّقك، وسله أن يجعل لك جِناناً، وكنوزاً، وقصوراً من ذهب وفضة تغنيك؛ قال: «ما أنا بالذي يسأل ربه هذا»؛ قالوا: فأسقط السماء [علينا] كما زعمت بأن ربَّك إِن شاء فعل؛ فقال: «ذلك إِلى الله عز وجل»؛ فقال قائل منهم: لن نؤمن لك حتى تأتيَ بالله والملائكة قبيلاً، وقال عبد الله بن أبي أُمية: لا أؤمن لك حتى تتخذ إِلى [السماء] سُلَّماً، وترقى فيه وأنا أنظر، وتأتي بنسخة منشورة معك، ونفرٍ من الملائكة يشهدون لك، فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم حزيناً لِمَا رأى من مباعدتهم إِياه " ، فأنزل الله تعالى: { وقالوا لن نؤمن لك... } الآيات، رواه عكرمة عن ابن عباس.

السابقالتالي
2