الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ رَّبُّكُمُ ٱلَّذِي يُزْجِي لَكُمُ ٱلْفُلْكَ فِي ٱلْبَحْرِ لِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً } * { وَإِذَا مَسَّكُمُ ٱلْضُّرُّ فِي ٱلْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى ٱلْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ ٱلإِنْسَانُ كَفُوراً } * { أَفَأَمِنْتُمْ أَن يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ ٱلْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً ثُمَّ لاَ تَجِدُواْ لَكُمْ وَكِيلاً } * { أَمْ أَمِنْتُمْ أَن يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَىٰ فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفاً مِّنَ ٱلرِّيحِ فَيُغْرِقَكُم بِمَا كَفَرْتُمْ ثُمَّ لاَ تَجِدُواْ لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعاً } * { وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي ءَادَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً }

قوله تعالى: { ربكم الذي يزجي لكم الفُلْك } أي: يسيِّرها. قال الزجاج: يقال: زجيت الشيء، أي: قدمته.

قوله تعالى: { لتبتغوا من فضله } أي: في طلب التجارة.

وفي «من» ثلاثة أقوال.

أحدها: أنها زائدة. والثاني: أنها للتبعيض. والثالث: أن المفعول محذوف، والتقدير: لتبتغوا من فضله الرزق والخير، ذكرهنَّ ابن الأنباري.

قوله تعالى: { إِنه كان بكم رحيماً } هذا الخطاب خاصّ للمؤمنين، ثم خاطب المشركين فقال: { وإِذا مسَّكم الضُّرُّ في البحر } يعني: خوفَ الغَرَقِ { ضلَّ مَنْ تَدْعُون } أي: يَضِلُّ من يدعون من الآلهة، إِلا الله تعالى. ويقال: ضَلَّ بمعنى غاب، يقال: ضَلَّ الماء في اللَّبَن: إِذا غاب، والمعنى: أنكم أخلصتم الدعاء [لله]، ونسيتم الأنداد. وقرأ مجاهد، وأبو المتوكل: «ضَلَّ مَنْ يَدْعُون» بالياء. { فلما نجّاكم إِلى البَرِّ أعرضتم } عن الإِيمان والإِخلاص { وكان الإِنسان } يعني الكافر { كفوراً } بنعمة ربِّه. { أفأمنتم } إِذا خرجتم من البحر { أن يَخْسِف بكم } قرأ ابن كثير، وأبو عمرو: «نخسف بكم» «أو نرسل» «أن نعيدكم» «فنرسل» «فنغرقكم» بالنون في الكل. وقرأ نافع، وعاصم، وابن عامر، وحمزة، والكسائي، بالياء في الكُلِّ. ومعنى { نخسف بكم جانب البر } أي: نغيبكم ونذهبكم في ناحية البر، والمعنى: إِن حكمي نافذ في البر نفوذه في البحر، { أو نرسل عليكم حاصباً } فيه ثلاثة أقوال.

أحدها: أن الحاصب: حجارة من السماء، قاله قتادة.

والثاني: أنه الريح العاصف تحصب، قاله أبو عبيدة، وأنشد للفرزدق:
مُسْتَقْبِلِينَ شَمَالَ الريح تَضْرِبُهُم   بِحَاصِبٍ كنَدِيفِ القُطْنِ مَنْثُورِ
وقال ابن قتيبة: الحاصب: الريح، سميت بذلك لأنها تَحْصِبُ، أي: ترمي بالحصباء، وهي الحصى الصغار. وقال ابن الأنباري: قال اللغويون: الحاصب: الريح التي فيها الحصى. وإِنما قال في الريح: «حاصباً» ولم يقل: «حاصبة» لأنه وصْفٌ لزم الريح ولم يكن لها مذكَّر تنتقل إِليه في حال، فكان بمنزلة قولهم: «حائض» للمرأة، حين لم يُقَلْ: رجل حائض. قال: وفيه جواب آخر، وهو أن نعت الريح عُريٌ من علامة التأنيث، فأشبهت بذلك أسماء المذكَّر، كما قالوا: السماء أمطر، والأرض أنبت.

والثالث: أن الحاصب: التراب الذي فيه حصباء، قاله الزجاج.

قوله تعالى: { ثم لاتجدوا لكم وكيلاً } أي: مانعاً وناصراً.

قوله تعالى: { أم أمنتم أن يعيدكم فيه } أي: في البحر { تارة أخرى } أي: مَرَّة أُخرى، والجمع: تارات. { فيرسل عليكم قاصفاً من الريح } قال أبو عبيدة: هي التي تقصف كل شيء. قال ابن قتيبة: القاصف: [الريح التي] تقصف الشجر، أي: تكسره.

قوله تعالى: { فيُغْرِقكم } وقرأ أبو المتوكل، و[أبو] جعفر، وشيبة، ورويس: «فتغرقكم» بالتاء، وسكون الغين، وتخفيف الراء. وقرأ أبو الجوزاء، وأيوب: «فيغرِّقكم» بالياء، وفتح الغين، وتشديدها. وقرأ أبو رجاء مثله، إِلا أنه بالتاء، { بما كفرتم } أي: بكفركم حيث نجوتم في المرة الأولى، { ثم لاتجدوا لكم علينا به تبيعاً } قال ابن قتيبة: أي: من يتبع بدمائكم، أي: يطالبنا.

السابقالتالي
2