الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلِ ٱدْعُواْ ٱلَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ فَلاَ يَمْلِكُونَ كَشْفَ ٱلضُّرِّ عَنْكُمْ وَلاَ تَحْوِيلاً } * { أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ ٱلْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً }

قوله تعالى: { قل ادعوا الذين زعمتم من دونه } في سبب نزولها قولان.

أحدهما: أن نفراً من العرب كانوا يعبدون نفراً من الجن، فأسلم الجن والنفر من العرب لا يشعرون، فنزلت هذه الآية والتي بعدها، روي عن ابن مسعود. والثاني: أن المشركين كانوا يعبدون الملائكة، ويقولون: هي تشفع لنا عند الله، فلما ابتلوا بالقحط سبع سنين، قيل لهم: «ادعوا الذين زعمتم»، قاله مقاتل، والمعنى: قل ادعوا الذين زعمتم أنهم آلهة، { فلا يملكون كشف الضُّرِّ عنكم ولا تحويلاً } له إِلى غيركم.

قوله تعالى: { أولئك الذين يَدْعون } في المشار إِليهم بـ «أولئك» ثلاثة أقوال.

أحدها: أنهم الجن الذين أسلموا. والثاني: الملائكة. وقد سبق بيان القولين. والثالث: أنهم المسيحُ، وعزيرٌ، والملائكةُ، والشمسُ، والقمرُ، قاله ابن عباس. وفي معنى «يدعون» قولان.

أحدهما: يعبدون، أي: يدعونهم آلهة، وهذا قول الأكثرين.

والثاني: أنه بمعنى يتضرعون إِلى الله في طلب الوسيلة. وعلى هذا يكون قوله: «يدعون» راجعاً إِلى «أولئك»، ويكون قوله: «يبتغون» تماماً للكلام. وعلى القول الأول: يكون «يدعون» راجعاً إِلى المشركين، ويكون قوله: «يبتغون» وصفاً لـ «أولئك» مستأنَفاً. وقرأ ابن مسعود، وابن عباس، وأبو عبد الرحمن: «تدعون» بالتاء قال ابن الأبناري: فعلى هذا، الفعلُ مردودٌ إِلى قوله: { فلا يملكون كشف الضُّرِّ عنكم }. ومن قرأ «يدعون» بالياء، قال: العرب تنصرف من الخطاب إِلى الغَيبة إِذا أُمن اللَّبْس. ومعنى «يدعون»: يدعونهم آلهة. وقد فسرنا معنى «الوسيلة» في [المائدة:35].

وفي قوله: { أيُّهم أقرب } قولان ذكرهما الزجاج.

أحدهما: أن يكون «أيهم» مرفوعاً بالابتداء، وخبره «أقرب»، ويكون المعنى: يطلبون الوسيلة إِلى ربهم، ينظرون أيُّهم أقرب إِليه فيتوسَّلون إِلى الله به.

والثاني: أن يكون «أيهم أقرب» بدلاً من الواو في «يبتغون»، فيكون المعنى: يبتغي أيُّهم هو أقرب الوسيلةَ إِلى الله، أي: يتقرَّب إِليه بالعمل الصالح.