الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ تَقْرَبُواْ ٱلزِّنَىٰ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَآءَ سَبِيلاً } * { وَلاَ تَقْتُلُواْ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلاَّ بِٱلحَقِّ وَمَن قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلاَ يُسْرِف فِّي ٱلْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُوراً }

قوله تعالى: { ولا تقربوا الزنا } وقرأ أبو رزين، وأبو الجوزاء، والحسن: بالمد. قال أبو عبيدة: وقد يمد «الزنا» في كلام أهل نجد، قال الفرزدق:
أبا حَاضِرٍ مَنْ يَزْنِ يُعْرَفْ زِناؤه   ومَنْ يَشْرَبِ الخُرْطُوْمَ يُصْبِحْ مُسَكَّرا
وقال أيضاً:
أخضبتَ فِعْلَك للزِّنَاءِ ولم تَكُنْ   يَوْمَ اللِّقَاءِ لتَخْضِبَ الأبْطَالا
وقال آخر:
[كانت فريضةُ ما تقول] كَمَا   كَانَ الزِّنَاءُ فَرِيْضَةَ الرَّجْمِ
قوله تعالى: { ولا تقتلوا النفس التي حرَّم الله } قد ذكرناه في [الأنعام: 151].

قوله تعالى: { فقد جعلنا } قال الزجاج: الأجود إِدغام الدال مع الجيم، والإِظهار جيد بالغ، إِلاَّ أنَّ الجيم من وسط اللسان، والدال من طرف اللسان، والإِدغام جائز، لأن حروف وسط اللسان تقرب من حروف طرف اللسان. ووليُّه: الذي بينه وبينه قرابة توجب المطالبة بدمه، فإن لم يكن له وليٌّ، فالسُّلطان وليُّه.

وللمفسرين في السُّلطان قولان.

أحدهما: أنه الحُجَّة، قاله ابن عباس.

والثاني: أنه الوالي، والمعنى: { فقد جعلنا لوليه سلطاناً } ينصره ويُنْصِفه في حَقِّه، قاله ابن زيد.

قوله تعالى: { فلا يُسرف في القتل } قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وعاصم: «فلا يسرف» بالياء. وقرأ ابن عامر، وحمزة، والكسائي: بالتاء.

وفي المشار إِليه في الآية قولان.

أحدهما: أنه وليُّ المقتول. وفي المراد بإسرافه خمسة أقوال. أحدها: أن يَقتُل غير القاتل، قاله ابن عباس، والحسن.

والثاني: أن يقتُل اثنين بواحد، قاله سعيد بن جبير.

والثالث: أن يقتُل أشرف مِن الذي قُتل، قاله ابن زيد.

والرابع: أن يمثِّل، قاله قتادة.

والخامس: أن يتولى هو قتل القاتل دون السلطان، ذكره الزجّاج.

والثاني: أن الإِشارة إِلى القاتل الأول، والمعنى: فلا يسرف القاتل بالقتل تعدّياً وظلماً، قاله مجاهد.

قوله تعالى: { إِنه كان منصوراً } أي: مُعاناً عليه.

وفي هاء الكناية أربعة أقوال.

أحدها: أنها ترجع إِلى الولي، فالمعنى: إِنه كان منصوراً بتمكينه من القَوَد، قاله قتادة، والجمهور.

والثاني: أنها ترجع إِلى المقتول، فالمعنى: إِنه كان منصوراً بقتل قاتله، قاله مجاهد.

والثالث: أنها ترجع إِلى الدم، فالمعنى: إِن دم المقتول كان منصوراً، أي: مطلوباً به.

والرابع: أنها ترجع إِلى القتل، ذكر القولين الفراء.