الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ ٱلْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً } * { وَٱخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ ٱلذُّلِّ مِنَ ٱلرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ٱرْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً } * { رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِن تَكُونُواْ صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُوراً }

قوله تعالى: { وقضى ربك } روى ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال: أمَر ربك. ونقل عنه الضحاك أنه قال: إِنما هي «ووصى ربك» فالتصقت إِحدى الواوين بـ «الصاد»، وكذلك قرأ أُبيُّ بن كعب، وأبو المتوكل، وسعيد بن جبير: «ووصى»، وهذا على خلاف ما انعقد عليه الإِجماع، فلا يلتفت إِليه. وقرأ أبو عمران، وعاصم الجحدري، ومعاذ القارىء: «وقضاءُ ربك» بقاف وضاد بالمد والهمز والرفع وخفض اسم الرب. قال ابن الأنباري: هذا القضاء ليس من باب الحتم والوجوب، لكنه من باب الأمر والفرض، وأصل القضاء في اللغة: قطع الشيء باحكام وإِتقان، قال الشاعر يرثي عمر:
قَضَيْتُ أُمُوْراً ثُمَّ غَادَرْتَ بَعْدَهَا   بَوائِقَ في أكْمَامِهَا لَمْ تُفَتَّقِ
أراد: قطعتَها محكِماً لها.

قوله تعالى: { وبالوالدين إِحساناً } أي: وأمر بالوالدين إِحسانا، وهو البِرُّ والإِكرام، وقد ذكرنا هذا في [البقرة: 83].

قوله تعالى: { إِما يبلغن } قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وعاصم، وابن عامر: «يبلغنَّ» على التوحيد. وقرأ حمزة، والكسائي، وخلف: «يبلغانِّ» على التثنية. قال الفراء: جعلت «يبلغن» فعلاً لأحدهما وكرَّت عليهما «كلاهما». ومن قرأ «يبلغانِّ» فإنه ثنَّى، لأن الوالدين قد ذُكرا قبل هذا، فصار الفعل على عددهما، ثم قال: { أحدهما أو كلاهما } على الاستئناف، كقوله:فعموا وصموا } [المائدة: 71] ثم استأنف فقال: { كثيرٌ منهم }.

قوله تعالى: { فلا تقل لهما أفٍّ } قرأ أبو عمرو، وحمزة، والكسائي، وأبو بكر عن عاصم: «أُفٍ» بالكسر من غير تنوين. وقرأ ابن كثير، وابن عامر، ويعقوب، والمفضل: «أُفَّ» بالفتح من غير تنوين. وقرأ نافع، وحفص عن عاصم: «أُفٍّ» بالكسر والتنوين. وقرأ أبو الجوزاء، وابن يعمر: «أُفٌّ» بالرفع والتنوين وتشديد الفاء. وقرأ معاذ القارىء، وعاصم، الجحدري، وحميد بن قيس: «أَفّاً» مثل «تعساً». وقرأ أبو عمران الجوني، وأبو السماك العدوي: «أُفُّ» بالرفع من غير تنوين مع تشديد الفاء، وهي رواية الأصمعي عن أبي عمرو. وقرأ عكرمة، وأبو المتوكل، وأبو رجاء، وأبو الجوزاء: «أُفْ» باسكان الفاء وتخفيفها؛ قال الأخفش: وهذا لأن بعض العرب يقول: أفْ لك، على الحكاية، والرفع قبيح، لأنه لم يجيء بعده لام. وقرأ أبو العالية، وأبو حصين الأسدي: «أُفِّي» بتشديد الفاء وبياء. وروى ابن الأنباري أن بعضهم قرأها: «إِفِ» بكسر الهمزة. وقال الزجاج: فيها سبع لغات، الكسر بلا تنوين، وبتنوين، والضم بلا تنوين، وبتنوين، والفتح بلا تنوين، وبتنوين، واللغة السابعة لا تجوز في القراءة: «أُفي» بالياء، هكذا قال الزجاج. وقال ابن الأنباري: في «أُفٍّ» عشرة أوجه. «أُفَّ» لك، بفتح الفاء، و«أُفِّ» بكسرها، «وأُفٍّ»، و«أُفَّا» لك بالنصب والتنوين على مذهب الدعاء كما تقول: «وَيْلاً» للكافرين، و«أُفٌّ» لك، بالرفع والتنوين، وهو رفع باللام، كقوله تعالى:ويل للمطففين } [المطففون: 1]، و«أفهٍ» لك، بالخفض والتنوين، تشبيهاً بالأصوات، كقولك: «صهٍ» و«مهٍ»، و«أفهاً» لك، على مذهب الدعاء أيضاً، و«أُفّي» لك، على الإِضافة إِلى النفس، و«أُفْ» لك، بسكون الفاء، تشبيهاً بالأدوات، مثل: «كم» و«هل» و«بل»، و«إِفْ» لك، بكسر الألف.

السابقالتالي
2 3