الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلِ ٱدْعُواْ ٱللَّهَ أَوِ ٱدْعُواْ ٱلرَّحْمَـٰنَ أَيّاً مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ ٱلأَسْمَآءَ ٱلْحُسْنَىٰ وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا وَٱبْتَغِ بَيْنَ ذٰلِكَ سَبِيلاً } * { وَقُلِ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَم يَكُنْ لَّهُ شَرِيكٌ فِي ٱلْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ ٱلذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً }

قوله تعالى: { قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن... } الآية. هذه الآية نزلت على سببين. [نزل] أولها إِلى قوله: { الحسنى } على سبب، وفيه ثلاثة أقوال.

أحدها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تهجَّد ذات ليلة بمكة، فجعل يقول في سجوده: «يا رحمن، يا رحيم»: فقال المشركون: كان محمدٌ يدعو إِلهاً واحداً، فهو الآن يدعو إِلهين اثنين: الله، والرحمن، ما نعرف الرحمن إِلا رحمن اليمامة، يعنون: مسيلمة، فأنزل الله هذه الآية، قاله ابن عباس.

والثاني: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكتب في أول ما أوحي إِليه: باسمك اللهم، حتى نزل:إِنه من سليمان وإِنه بسم الله الرحمن الرحيم } [النمل: 30]، فكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، فقال مشركو العرب: هذا الرحيم نعرفه، فما الرحمن؟ فنزلت هذه الآية، قاله ميمون بن مهران.

والثالث: أن أهل الكتاب قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إِنك لَتُقِلُّ ذِكْر الرحمن وقد أكثر الله في التوراة هذا الاسم، فنزلت هذه الآية، قاله الضحاك.

فأما قوله: { ولا تجهر بصلاتك } فنزل على سبب، وفيه ثلاثة أقوال.

أحدها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرفع صوته بالقرآن بمكة، فيسُبُّ المشركون القرآن و مَنْ أتى به، فخفض رسول الله صلى الله عليه وسلم صوته بعد ذلك حتى لم يسمع أصحابه، فأنزل الله تعالى: { ولا تجهر بصلاتك } أي: بقراءتك، فيسمع المشركون فيسبُّوا القرآن، { ولا تخافت بها } عن أصحابك، فلا يسمعون، قاله ابن عباس.

والثاني: أن الأعرابيّ كان يجهر في التشهُّد ويرفع صوته، فنزلت هذه الآية، هذا قول عائشة.

والثالث: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلِّي بمكة عند الصفا، فجهر بالقرآن في صلاة الغداة، فقال أبو جهل: لا تفترِ على الله، فخفض النبي صلى الله عليه وسلم صوته، فقال أبو جهل للمشركين: ألا ترون ما فعلت بابن أبي كبشة؟! رددته عن قراءته، فنزلت هذه الآية، قاله مقاتل.

فأما التفسير، فقوله: { قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن } المعنى: إِن شئتم فقولوا: يا ألله، وإِن شئتم فقولوا: يا رحمن، فانهما يرجعان إِلى واحد، { أيّاً ما تدعوا } المعنى: أيَّ أسماء الله تدعوا؛ قال الفراء: و«ما» قد تكون صلة، كقوله:عما قليلٍ ليُصْبِحُنَّ نادمين } [المؤمنون: 40]، وتكون في معنى: «أيّ» معادَة لمَّا اختلف لفظهما.

قوله تعالى: { ولا تجهر بِصَلاتك } فيه قولان.

أحدهما: أنها الصلاة الشرعية. ثم في المراد بالكلام ستة أقوال.

أحدها: لاتجهر بقراءتك، ولا تخافت بها، فكأنه نهي عن شدة الجهر بالقراءة، وشدة المخافتة، قاله ابن عباس. فعلى هذا في تسمية القراءة بالصلاة قولان ذكرهما ابن الأنباري. أحدهما: أن يكون المعنى: فلا تجهر بقراءة صلاتك.

السابقالتالي
2