الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَسْئَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَآءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَونُ إِنِّي لأَظُنُّكَ يٰمُوسَىٰ مَسْحُوراً } * { قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَآ أَنزَلَ هَـٰؤُلاۤءِ إِلاَّ رَبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ بَصَآئِرَ وَإِنِّي لأَظُنُّكَ يٰفِرْعَونُ مَثْبُوراً } * { فَأَرَادَ أَن يَسْتَفِزَّهُم مِّنَ ٱلأَرْضِ فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ جَمِيعاً } * { وَقُلْنَا مِن بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ ٱسْكُنُواْ ٱلأَرْضَ فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ ٱلآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفاً }

قوله تعالى: { فَاسْأَلْ بني إِسرائيل } قرأ الجمهور: «فاسأل» على معنى الأمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم. وإِنما أُمر أن يسأل من آمن منهم عما أخبر [به] عنهم، ليكون حُجَّة على من لم يؤمن منهم. وقرأ ابن عباس: «فَسَأَلَ بني إِسرائيل»، [على معنى] الخبر عن موسى أنه سأل فرعون أن يرسل معه بني إِسرائيل. { فقال له فرعونُ إِني لأظنُّك } أي: لأحسِبك { يا موسى مسحوراً } وفيه ثلاثة أقوال.

أحدها: مخدوعاً، قاله ابن عباس. والثاني: مسحوراً قد سُحِرْتَ، قاله ابن السائب. والثالث: ساحراً، فوضع مفعولاً في موضعِ فاعلٍ، هذا مروي عن الفراء، وأبي عبيدة. فقال موسى: { لقد علمت } قرأ الجمهور بفتح التاء. وقرأ علي عليه السلام بضمها، وقال: والله ما عَلِم عدوُّ الله، ولكنَّ موسى هوالذي عَلِم، فبلغ ذلك ابنَ عباس، فاحتج بقوله تعالى:وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم } [النمل: 14]. واختار الكسائي وثعلب قراءة علي عليه السلام، وقد رُويت عن ابن عباس، وأبي رزين، وسعيد بن جبير، وابن يعمر. واحتج من نصرها بأنه لما نَسَبَ موسى إِلى أنه مسحور، أعلمه بصحة عقله بقوله: «لقد علمتُ»، والقراءة الأولى أصح، لاختيار الجمهور، ولأنه قد أبان موسى من المعجزات ما أوجب علم فرعون بصدقه، فلم يردّ عليه إِلا بالتعلل والمدافعة، فكأنه قال: لقد علمتَ بالدليل والحجة «ما أنزل هؤلاء» يعني الآيات. وقد شرحنا معنى «البصائر» في [الأعراف: 203].

قوله تعالى: { وإِني لأظنك } قال أكثر المفسرين: الظن هاهنا بمعنى العِلم، على خلاف ظن فرعون في موسى، وسوّى بينهما بعضهم، فجعل الأول بمعنى العِلم أيضاً.

وفي المثبور ستة أقوال.

أحدها: أنه الملعون، رواه أبو صالح عن ابن عباس، وبه قال الضحاك. والثاني: المغلوب، رواه العوفي عن ابن عباس. والثالث: الناقص العقل، رواه ميمون بن مهران عن ابن عباس. والرابع: المُهْلَك، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس، وبه قال أبو عبيدة، وابن قتيبة. قال الزجاج: يقال: ثُبر الرجل، فهو مثبور: إِذا أُهلك. والخامس: الهالك، قاله مجاهد. والسادس: الممنوع من الخير؛ تقول العرب: ما ثبرك عن هذا، أي: ما منعك، قاله الفراء.

قوله تعالى: { فأراد أن يستفزَّهم من الأرض } يعني: فرعون أراد أن يستفزَّ بني إِسرائيل من أرض مصر. وفي معنى «يستفزَّهم» قولان.

أحدهما: يستأصلهم، قاله ابن عباس.

والثاني: يستخفّهم حتى يخرجوا، قاله ابن قتيبة. وقال الزجاج: جائز أن يكون استفزازُهم إِخراجَهم منها بالقتل أو بالتنحية. قال العلماء: وفي هذه الآية تنبيه على نصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنه لما خرج موسى فطلبه فرعون، هلك فرعون وملَك موسى، وكذلك أظهر الله نبيَّه بعد خروجه من مكة حتى رجع إِليها ظاهراً عليها.

قوله تعالى: { وقلنا من بعده } أي: من بعد هلاك فرعون { لبني إِسرائيل اسكنوا الأرض } وفيها ثلاثة أقوال.

أحدها: فلسطين والأردنّ، قاله ابن عباس. والثاني: أرضٌ وراء الصِّين، قاله مقاتل. والثالث: أرض مصر والشام.

قوله تعالى: { فإذا جاء وعد الآخرة } يعني: القيامة { جئنا بكم لفيفاً } أي: جميعاً، قاله ابن عباس، ومجاهد، وابن قتيبة. وقال الفراء: لفيفاً، أي: مِنْ هاهنا ومِن هاهنا. وقال الزجاج: اللفيف: الجماعات من قبائل شتى.