الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُ بِٱلْعَدْلِ وَٱلإحْسَانِ وَإِيتَآءِ ذِي ٱلْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَاءِ وَٱلْمُنْكَرِ وَٱلْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } * { وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ ٱللَّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ ٱلأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ ٱللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ } * { وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَىٰ مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ ٱللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ } * { وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلـٰكِن يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ }

قوله تعالى: { إِن الله يأمر بالعدل } فيه أربعة أقوال:

أحدها: أنه شهادة أن لا إِله إِلا الله، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس.

والثاني: أنه الحق، رواه الضحاك عن ابن عباس.

والثالث: أنه استواء السريرة والعلانية في العمل لله تعالى، قاله سفيان بن عيينة.

والرابع: أنه القضاء بالحق، ذكره الماوردي. قال أبو سليمان: العدل في كلام العرب: الإِنصاف، وأعظمُ الإِنصاف: الاعتراف للمنعِم بنعمته.

وفي المراد بالإِحسان خمسة أقوال:

أحدها: أنه أداء الفرائض، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس. والثاني: العفو، رواه الضحاك عن ابن عباس. والثالث: الإِخلاص، رواه أبو صالح عن ابن عباس. والرابع: أن تعبد الله كأنك تراه، رواه عطاء عن ابن عباس. والخامس: أن تكون السريرة أحسن من العلانية، قاله سفيان بن عيينة.

فأما قوله تعالى: { وإِيتاءِ ذي القربي } فالمراد به: صلة الأرحام. وفي الفحشاء قولان:

أحدهما: أنها الزنا، قاله ابن عباس. والثاني: المعاصي، قاله مقاتل. وفي { المنكر } أربعة أقوال:

أحدها: أنه الشرك، قاله مقاتل.

والثاني: أنه ما لا يُعرَف في شريعة ولا سُنَّة.

والثالث: أنه ما وعد الله عليه النار، ذكرهما ابن السائب.

والرابع: أن تكون علانية، الإِنسان أحسن من سريرته قاله سفيان بن عيينة.

فأما { البغي } فقال ابن عباس: هو الظلم، وقد سبق شرحه في مواضع [البقرة: 173، والأعراف: 33، ويونس: 23، 90].

قوله تعالى: { يعظكم } قال ابن عباس: يؤدِّبكم، وقد ذكرنا معنى الوعظ في [سورة النساء: 58] و { تذكَّرون } بمعنى: تتَّعظون. قال ابن مسعود: هذه الآية أجمع آية في القرآن لخير أو لشر. وقال الحسن: والله ما ترك العدلُ والاحسانُ شيئاً من طاعة [الله] إِلاَّ جمعاه، ولا تركت الفحشاء والمنكر والبغي شيئاً من معصية الله إِلاّ جمعوه.

قوله تعالى: { وأوفوا بعهد الله } اختلفوا فيمن نزلت على قولين:

أحدهما: أنها نزلت في حلف أهل الجاهلية، قاله مجاهد، وقتادة.

والثاني: أنها نزلت في الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال المفسرون: العهد الذي يجب الوفاء به، هو الذي يحسن فعله، فاذا عاهد العبد عليه، وجب الوفاء به، والوعد من العهد { ولا تنقضوا الأَيمان بعد توكيدها } أي: بعد تغليظها وتشديدها بالعزم والعقد على اليمين، بخلاف لغو اليمين، ووكدت الشيء توكيداً، لغة أهل الحجاز. فأما أهل نجد، فيقولون: أكدته تأكيداً. وقال الزجاج: يقال: وكَّدت الأمر، وأكّدت، لغتان جيدتان، والأصل الواو، والهمزة بدل منها.

قوله تعالى: { وقد جعلتم الله عليكم كفيلاً } أي: بالوفاء، وذلك أن من حلف بالله، فكأنه أكفل الله بالوفاء بما حلف عليه.

وللمفسرين في معنى «كفيلا» ثلاثة أقوال:

أحدها: شهيداً، قاله سعيد بن جبير.

والثاني: وكيلا، قاله مجاهد.

السابقالتالي
2