الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً ثُمَّ لاَ يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ } * { وَإِذَا رَأى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ ٱلْعَذَابَ فَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمْ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ } * { وَإِذَا رَأى ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ شُرَكَآءَهُمْ قَالُواْ رَبَّنَا هَـٰؤُلآءِ شُرَكَآؤُنَا ٱلَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوْا مِن دُونِكَ فَألْقَوْا إِلَيْهِمُ ٱلْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ } * { وَأَلْقَوْاْ إِلَىٰ ٱللَّهِ يَوْمَئِذٍ ٱلسَّلَمَ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ }

قوله تعالى: { ويوم نبعث من كل أُمةٍ شهيداً } يعني: يوم القيامة، وشاهد كلِّ أُمةٍ نبيُّها يشهد عليها بتصديقها وتكذبيها، { ثم لا يؤذَن للذين كفروا } في الاعتذار { ولا هم يُستعتبون } أي: لا يُطلب منهم أن يرجعوا إِلى ما أمر الله به، لأن الآخرة ليست بدار تكليف.

قوله تعالى: { وإِذا رأى الذين ظَلموا } أي: أشركوا { العذاب } يعني: النار { فلا يخفف عنهم } العذاب { ولا هم يُنظرون } لا يؤخَّرون، ولا يمهلون. { وإِذا رأى الذين أشركوا شركاءهم } يعني: الأصنام التي جعلوها شركاء لله في العبادة، وذلك أن الله يبعث كل معبود من دونه، فيقول المشركون: { ربَّنا هؤلاء شركاؤنا الذِين كنا ندعو } أي: نعبد من دونك.

فان قيل: فهذا معلوم عند الله تعالى، فما فائدة قولهم: «هؤلاء شركاؤنا»؟ فعنه جوابان:

أحدهما: أنهم لما كتموا الشرك في قولهم: واللهِ ما كنا مشركين، عاقبهم الله تعالى باصمات ألسنتهم، وإِنطاق جوارحهم، فقالوا عند معاينه آلهتهم: { رنبا هؤلاء شركاؤنا } أي: قد أقررنا بعد الجحد، وصدَّقنا بعد الكذب، التماساً للرحمة، وفراراً من الغضب، وكأنَّ هذا القول منهم على وجه الاعتراف بالذنْب، لا على وجه إِعلام من لا يعلم.

والثاني: أنهم لما عاينوا عِظَم غضب الله تعالى قالوا: هؤلاء شركاؤنا، تقديرَ أن يعود عليهم من هذا القول روح، وأن تلزم الأصنام إِجرامهم، أو بعض ذنوبهم إِذْ كانوا يدَّعون لها العقل والتمييز، فأجابتهم الأصنام بما حسم طمعهم.

قوله تعالى: { فألقَوا إِليهم القول } أي: أجابوهم وقالوا لهم { إِنكم لكاذبون } قال الفراء: ردت عليهم آلهتهم قولهم. وقال أبو عبيدة: «فألقوا» أي: قالوا لهم. يقال: ألقيت إِلى فلان كذا. أي: قلت له. قال العلماء: كذَّبوهم في عبادتهم إِياهم، وذلك أن الأصنام كانت جماداً لا تعرف عابديها، فظهرت فضيحتهم يومئذٍ إِذْ عبدوا مَن لم يعلم بعبادتهم، وذلك كقوله:سيكفرون بعبادتهم } [مريم: 83]. قوله تعالى: { وأَلقَوا إِلى الله يومئذٍ السَّلَم } المعنى: أنهم استسلموا له. وفي المشار إِليهم قولان: أحدهما: أنهم المشركون، قاله الأكثرون. ثم في معنى استسلامهم. قولان: أحدهما: أنهم استسلموا [له] بالإِقرار بتوحيده وربوبيته. والثاني: أنهم استسلموا لعذابه.

والثاني: أنهم المشركون والأصنام كلُّهم. قال الكلبي: والمعنى: أنهم استسلموا لله منقادين لحُكمه.

قوله تعالى: { وضل عنهم ما كانوا يفترون } فيه قولان:

أحدهما: بَطَل قولهم أنها تشفع لهم. والثاني: ذهب عنهم ما زيَّن لهم الشيطان أن لله شريكاً وولداً.