الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِّنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ أَفَبِٱلْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ ٱللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ } * { وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِّنَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ شَيْئاً وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ } * { فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلَّهِ ٱلأَمْثَالَ إِنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } * { ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً عَبْداً مَّمْلُوكاً لاَّ يَقْدِرُ عَلَىٰ شَيْءٍ وَمَن رَّزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرّاً وَجَهْراً هَلْ يَسْتَوُونَ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ }

قوله تعالى: { والله جعل لكم من أنفسكم أزواجاً } يعني النساء. وفي معنى { من أنفسكم } قولان:

أحدهما: أنه خلَق آدم، ثم خلَق زوجته منه، قاله قتادة.

والثاني: «من أنفسكم»، أي: من جنسكم من بني آدم، قاله ابن زيد. وفي الحَفَدَة خمسة أقوال:

أحدها: أنهم الأصهار، أختان الرجل على بناته، قاله ابن مسعود، وابن عباس في رواية، ومجاهد في رواية، وسعيد بن جبير، والنخعي، وأنشدوا من ذلك:
ولو أنَّ نَفْسِي طاوعتني لأَصْبَحَتْ   لها حَفَدٌ مِمَّا يُعدُّ كثيرُ
ولكنَّها نَفْسٌ عَلَيَّ أبِيَّةٌ   عَيُوفٌ لأصهار اللئِام قذورُ
والثاني: أنهم الخدم، رواه مجاهد عن ابن عباس، وبه قال مجاهد في رواية الحسن، وطاووس وعكرمة في رواية الضحاك، وهذا القول يحتمل وجهين: أحدهما: أنه يراد بالخدم: الأولاد. فيكون المعنى: أن الأولاد يَخدمون. قال ابن قتيبة: الحفدة: الخدم والأعوان، فالمعنى: هم بنون، وهم خدم. وأصل الحَفْد: مداركة الخطو والإِسراع في المشي، وإِنما يفعل الخدم هذا، فقيل لهم: حَفَدَة. ومنه يقال في دعاء الوتر: «وإِليك نسعى ونَحفِد». والثاني: أن يراد بالخدم، المماليك، فيكون معنى الآية: وجعل لكم من أزواجكم بنين، وجعل لكم حفدة من غير الأزواج، ذكره ابن الأنباري.

والثالث: أنهم بنو امرأة الرجل من غيره، رواه العوفي عن ابن عباس، وبه قال الضحاك.

والرابع: أنهم ولد الولد، رواه مجاهد عن ابن عباس.

والخامس: أنهم كبار الأولاد، والبنون: صغارهم، قاله ابن السائب، ومقاتل. قال مقاتل: وكانوا في الجاهلية تخدمهم أولادهم. قال الزجاج: وحقيقة هذا الكلام أن الله تعالى جعل من الأزواج بنين، ومن يعاون على ما يُحتاج إِليه بسرعة وطاعة.

قوله تعالى: { ورزقكم من الطيبات } قاله ابن عباس: يريد: من أنواع الثمار والحبوب والحيوان.

قوله تعالى: { أفبالباطل يؤمنون } فيه ثلاثة أقوال:

أحدها: أنه الأصنام، قاله ابن عباس.

والثاني: أنه الشريك والصاحبة والولد، فالمعنى: يصدِّقون أن لله ذلك؟! قاله عطاء.

والثالث: أنه الشيطان، أمرهم بتحريم البحيرة والسائبة، فصدَّقوا. وفي المراد ب «نعمة الله» ثلاثة أقوال:

أحدها: أنها التوحيد، قاله ابن عباس. والثاني: القرآن والرسول.

والثالث: الحلال الذي أحلَّه الله لهم.

قوله تعالى: { ويعبُدون من دون الله ما لا يملك لهم رزقاً } وفي المشار إِليه قولان:

أحدهما: أنها الأصنام، قاله قتادة. والثاني: الملائكة، قاله مقاتل.

قوله تعالى: { من السموات } يعني: المطر، { و } من { الأرض } النبات، والثمر.

قوله تعالى: { شيئاً } قال الأخفش: جعل «شيئاً» بدلاً من الرزق، والمعنى: لا يملكون رزقاً قليلا ولا كثيرا، { ولا يَستطيعون } أي: لا يقدرون على شيء. قال الفراء: وإِنما قال في أول الكلام: «يملك» وفي آخره: «يستطيعون»، لأن «ما» في مذهب: جمعٌ لآلهتهم، فوحَّد «يملك» على لفظ «ما» وتوحيدها، وجمع في «يستطيعون» على المعنى، كقوله:

السابقالتالي
2