الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ إِلٰهُكُمْ إِلٰهٌ وَاحِدٌ فَٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ قُلُوبُهُم مُّنكِرَةٌ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ } * { لاَ جَرَمَ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُسْتَكْبِرِينَ } * { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَّاذَآ أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ } * { لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ ٱلَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلاَ سَآءَ مَا يَزِرُونَ } * { قَدْ مَكَرَ ٱلَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى ٱللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِّنَ ٱلْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ ٱلسَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ ٱلْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ } * { ثُمَّ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَآئِيَ ٱلَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ قَالَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ إِنَّ ٱلْخِزْيَ ٱلْيَوْمَ وَٱلْسُّوۤءَ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ }

قوله تعالى: { إِلهكم إِله واحد } قد ذكرناه في سورة [البقرة:163].

قوله تعالى: { فالذين لايؤمنون بالآخرة } أي: بالبعث والجزاء { قلوبهم منكرة } أي: جاحدة لا تعرف التوحيد { وهم مستكبرون } أي: ممتنعون من قبول الحق.

قوله تعالى: { لاجَرَمَ } قد فسرناه في [هود:22]، ومعنى الآية: أنَّه يجازيهم بسرِّهم وَعَلنهم، لأنه يعلمه. والمستكبرون: المتكبرون عن التوحيد والإِيمان. وقال مقاتل: «ما يُسرون» حين بَعثوا في كل طريق مَنْ يصدُّ الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، «وما يعلنون» حين أظهروا العداوة لرسول الله.

قوله تعالى: { وإِذا قيل لهم } يعني: المستكبرين { ماذا أنزل ربكم } على محمد صلى الله عليه وسلم؟ قال الزجاج: «ماذا» بمعنى «ما الذي». و { أساطير الأولين } مرفوعة على الجواب، كأنهم قالوا: الذي أُنزل: أساطيرُ الأولين، أي: الذي تذكرون أنتم أنه منزَّل: أساطير الأولين. وقد شرحنا معنى الأساطير في [الأنعام:25]. قال مقاتل: الذين بعثهم الوليد بن المغيرة في طرق مكة يصدُّون الناس عن الإِيمان، ويقول بعضهم: إِن محمداً ساحر، ويقول بعضهم: شاعر، وقد شرحنا هذا المعنى في [الحجر:90] في ذكر المقتسمين.

قوله تعالى: { ليحملوا أوزارهم } هذه لام العاقبة، وقد شرحناها في غير موضع، والأوزار: الآثام، وإِنما قال: كاملة، لأنه لم يُكَفَّرْ منها شيء بما يُصيبهم من نكبة، أو بليَّة، كما يُكَفَّرُ عن المؤمن، { ومن أوزار الذين يُضلونهم بغير علم } أي: أنهم أضلُّوهم بغير دليل، وإِنما حملوا من أوزار الأتباع، لأنهم كانوا رؤساء يقتدى بهم في الضلالة، وقد ذكر ابن الأنباري في «مِنْ» وجهين:

أحدهما: أنها للتبعيض، فهم يحملون ما شَرِكوهم فيه، فَأَمَّا مَا ركبه أولئك باختيارهم من غير تزيين هؤلاء، فلا يحملونه، فيصح معنى التبعيض.

والثاني: أن «مِنْ» مُؤكِّدة، والمعنى: وأوزار الذين يضلونهم. { ألا ساء ما يزرون } أي: بئس ماحملوا على ظهورهم.

قوله تعالى: { قد مكر الذين من قبلهم } قال المفسرون: يعني به: النمرود ابن كنعان، وذلك أنه بنى صرحاً طويلاً. واختلفوا في طوله، فقال ابن عباس: خمسة آلاف ذراع، وقال مقاتل: كان طوله فرسخين، قالوا: ورام أن يصعد إِلى السماء ليقاتل أهلها بزعمه. ومعنى «المكر» هاهنا: التدبير الفاسد.

وفي الهاء والميم من «قبلهم» قولان:

أحدهما: أنها للمقتسمين على عقاب مكة، قاله ابن السائب.

والثاني: لكفار مكة، قاله مقاتل.

قوله تعالى: { فأتى الله بنيانَهم من القواعد } أي: من الأساس. قال المفسرون: أرسل الله ريحاً فألقت رأس الصرح في البحر، وخَرَّ عليهم الباقي.

قال السدي: لما سقط الصرح، تَبَلْبَلَتْ أَلْسُن الناس من الفزع، فتكلموا بثلاثة وسبعين لساناً، فلذلك سميت «بابل»، وإِنما كان لسان الناس قبل ذلك بالسريانية، وهذا قول مردود، لأن التَّبَلْبُلَ يُوجب الاختلاط والتكلمَ بشيء غير مستقيم، فأما أن يوجب إِحداث لغة مضبوطة الحواشي، فباطل، وإِنما اللغات تعليم من الله تعالى.

السابقالتالي
2