الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلَّيلَ وَٱلْنَّهَارَ وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ وَٱلْنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } * { وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ مُخْتَلِفاً أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ } * { وَهُوَ ٱلَّذِي سَخَّرَ ٱلْبَحْرَ لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى ٱلْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } * { وَأَلْقَىٰ فِي ٱلأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَاراً وَسُبُلاً لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } * { وَعَلامَاتٍ وَبِٱلنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ }

قوله تعالى: { وما ذرأ لكم } أي: وسخر ما ذرأ لكم. وذرأ بمعنى: خلق. و «سخر البحر» أي: ذلَّله للركوب والغوص فيه { لتأكلوا منه لحماً طريّاً } يعني: السمك { وتستخرجوا منه حلية تلبسونها } يعني: الدُّر، واللؤلؤ، والمرجان، وفي هذا دلالة على أن حالفاً لو حلف: لا يلبس حُلِيّاً، فلبس لؤلؤاً، أنه يحنث، وقال أبو حنيفة: لا يحنث.

قوله تعالى: { وترى الفلك } يعني: السفن. وفي معنى { مَوَاخِرَ } قولان:

أحدهما: جواري، قاله ابن عباس. قال اللغويون: يقال: مخرت السفينة مَخْراً: إِذا شقت الماء في جريانها.

والثاني: المواقر، يعني: المملوءة، قاله الحسن.

وفي قوله تعالى: { ولتبتغوا من فضله } قولان:

أحدهما: بالركوب فيه للتجارة ابتغاء الربح من فضل الله.

والثاني: بما تستخرجون من حليته، وتصيدون من حيتانه. قال ابن الأنباري: وفي دخول الواو في قوله تعالى: { ولتبتغوا من فضله } وجهان:

أحدهما: أنها معطوفة على لامٍ محذوفة، تقديره: وترى الفلك مواخر فيه لتنتفعوا بذلك ولتبتغوا.

والثاني: أنها دخلت لفعل مضمر، تقديرهُ: وفعل ذلك لكي تبتغوا.

قوله تعالى: { وألقى في الأرض رواسي } أي: نصب فيها جبالاً ثوابت { أن تميد } أي: لئلاَّ تميد، وقال الزجاج: كراهة أن تميد، يقال: ماد الرجل يميد مَيْداً: إِذا أُدير به، وقال ابن قتيبة: الميد: الحركة والمَيْل، يقال: فلان يميد في مشيته، أي: يتكفَّأ.

قوله تعالى: { وأنهاراً } قال الزجاج: المعنى: وجعل فيها سُبُلاً، لأن معنى «ألقى»: «جعل»، فأما السبل، فهي الطرق. { ولعلكم تهتدون } أي: لكي تهتدوا إِلى مقاصدكم.

قوله تعالى: { وعلامات } فيها ثلاثة أقوال:

أحدها: أنها معالم الطرق بالنهار، وبالنجم هم يهتدون وبالليل، رواه العوفيّ عن ابن عباس.

والثاني: أنها النجوم أيضاً، منها ما يكون علامة لا يُهتدى به، ومنها ما يُهتدى به، قاله مجاهد، وقتادة، والنخعي.

والثالث: الجبال، قاله ابن السائب، ومقاتل.

وفي المراد بالنجم أربعة أقوال:

أحدها: أنه الثريّا، والفرقدان، وبنات نعش، والجدي، قاله السدي.

والثاني: أنه الجَدْي، والفرقدان، قاله ابن السائب.

والثالث: أنه الجدي وحده، لأنه أثبتُ النجومِ كلِّها في مركزه، ذكره الماوردي.

والرابع: أنه اسم جنس، والمراد جميع النجوم، قاله الزجاج، وقرأ الحسن، والضحاك، وأبو المتوكل، ويحيى بن وثاب: «وبالنُّجْم» بضم النون وإِسكان الجيم، وقرأ الجحدري: «وبالنُّجُم» بضم النون والجيم، وقرأ مجاهد: «وبالنجوم» بواوٍ على الجمع.

وفي المراد بهذا الاهتداء قولان:

أحدهما: الاهتداء إِلى القِبلة. والثاني: إِلى الطريق في السفر.