الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ كَمَآ أَنْزَلْنَا عَلَى ٱلْمُقْتَسِمِينَ } * { ٱلَّذِينَ جَعَلُواْ ٱلْقُرْآنَ عِضِينَ } * { فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ } * { عَمَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }

قوله تعالى: { كما أنزلنا على المقتسمين } في هذه الكاف قولان:

أحدهما: أنها متعلِّقة بقوله: { ولقد آتيناك سبعاً من المثاني }. ثم في معنى الكلام قولان: أحدهما: أن المعنى: ولقد آتيناك سبعاً من المثاني، كما أنزلنا الكتب على المقتسمين، قاله مقاتل. والثاني: أن المعنى: ولقد شرَّفناك وكرَّمناك بالسبع المثاني، كما شرَّفناك وأكرمناك بالذي أنزلناه على المقتسمين من العذاب، والكافُ بمعنى «مِثْلٍ» و «ما» بمعنى «الذي» ذكره ابن الأنباري.

والثاني: أنها متعلقة بقوله: { إِني أنا النذير } ، والمعنى: إِني أنا النذير، أنذرتكم مثلَ الذي أُنزل على المقتسمين من العذاب، وهذا معنى قول الفراء. فخرج في معنى «أنزلنا» قولان:

أحدهما: أنزلنا االكتب، على قول مقاتل.

والثاني: العذابَ، على قول الفراء.

وفي «المقتسمين» ثلاثة أقوال:

أحدها: أنهم اليهود والنصارى، رواه العَوفي عن ابن عباس، وبه قال الحسن، ومجاهد. فعلى هذا، في تسميتهم بالمقتسمين ثلاثة أقوال. أحدها: أنهم آمنوا ببعض القرآن، وكفروا ببعضه، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس. والثاني: أنهم اقتسموا القرآن، فقال بعضهم: هذه السورة لي، وقال آخر: هذه السورة لي، استهزاءً به، قاله عكرمة. والثالث: أنهم اقتسموا كتبهم، فآمن بعضهم ببعضها وكفر ببعضها، وآمن آخرون بما كفر به غيرهم، قاله مجاهد.

والثاني: أنهم مشركو قريش، قاله قتادة، وابن السائب. فعلى هذا، في تسميتهم بالمقتسمين قولان. أحدهما: أن أقوالهم تقسَّمت في القرآن، فقال بعضهم: إِنه سحر، وزعم بعضهم أنه كهانة، وزعم بعضهم أنه أساطير الأولين، منهم الأسود بن عبد يغوث، والوليد بن المغيرة، وعدي بن قيس السهمي، والعاص ابن وائل، قاله قتادة. والثاني: أنهم اقتسموا على عِقاب مكة، قال ابن السائب: هم رهط من أهل مكة اقتسموا على عِقاب مكة حين حضر الموسم، قال لهم الوليد ابن المغيرة: انطلقوا فتفرَّقوا على عِقاب مكة حيث يمرُّ بكم أهل الموسم، فاذا سألوكم عنه، يعني: رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فليقل بعضكم: كاهن، وبعضكم: ساحر، وبعضكم: شاعر، وبعضكم: غاوٍ، فإذا انتهَوْا إِلَّي صدَّقتُكم، ومنهم حنظلة ابن أبي سفيان، وعتبة وشيبة ابنا ربيعة، والوليد بن المغيرة، وأبو جهل، والعاص ابن هشام، وابو قيس بن الوليد، وقيس بن الفاكه، وزهير بن أبي أمية، وهلال ابن عبد الأسود، والسائب بن صيفي، والنضر بن الحارث، وأبو البَخْتري بن هشام، وزمعة بن الحجاج، وأُمية بن خلف، وأوس بن المغيرة.

والثالث: أنهم قوم صالح الذين تقاسموا بالله:لنُبيِّتَنَّه وأهلَه } [النمل 49]، فكفاه الله شرهم، قاله عبد الرحمن بن زيد. فعلى هذا، هو من القَسَم، لا من القِسمة.

قوله تعالى: { الذين جعلوا القرآن عِضين } في المراد بالقرآن قولان:

أحدهما: أنه كتابنا، وهو الأظهر، وعليه الجمهور. والثاني: أن المراد به: كتب المتقدمين قبلنا.

السابقالتالي
2