الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِّنَ ٱلْمَثَانِي وَٱلْقُرْآنَ ٱلْعَظِيمَ } * { لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَٱخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ } * { وَقُلْ إِنِّيۤ أَنَا ٱلنَّذِيرُ ٱلْمُبِينُ }

قوله تعالى: { ولقد آتيناك سبعاً من المثاني } سبب نزولها أن سبع قوافل وافت من بصرى وأذرعات ليهود قريظة والنضير في يوم واحد، فيها أنواع من البَزِّ والطيب والجواهر، فقال المسلمون: لو كانت هذه الأموال لنا لتقوَّينا بها وأنفقناها في سبيل الله، فأنزل الله هذه الآية، وقال: أعطيتكم سبع آيات هي خير لكم من هذه السبع القوافل، ويدل على صحة هذا قوله: { لا تَمُدنَّ عينيك... } الآية، قاله الحسين بن الفضل.

وفي المراد بالسبع المثاني أربعة أقوال:

أحدها: أنها فاتحة الكتاب، قاله عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وابن مسعود في رواية، وابن عباس في رواية الأكثرين عنه، وأبو هريرة، والحسن، وسعيد بن جبير في رواية، ومجاهد في رواية، وعطاء، وقتادة في آخرين. فعلى هذا، إِنما سمِّيت بالسبع، لأنها سبع آيات.

وفي تسميتها بالمثاني سبعة أقوال:

أحدها: لأن الله استثناها لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، فلم يعطِها أمةً قبلهم، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس.

والثاني: لأنها تُثنَّى في كل ركعة، رواه أبو صالح عن ابن عباس. قال ابن الأنباري: والمعنى: آتيناك السبع الآيات التي تُثنَّى في كل ركعة، وإِنما دخلت «مِنْ» للتوكيد، كقوله:ولهم فيها من كل الثمرات } [محمد 15]. وقال ابن قتيبة: سمي «الحمد» مثانيَ، لأنها تُثنَّى في كل صلاة.

والثالث: لأنها ما أُثني به على الله تعالى، لأن فيها حمد الله وتوحيده وذِكر مملكته، ذكره الزجاج.

والرابع: لأن فيها «الرحمن الرحيم» مرتين، ذكره أبو سليمان الدمشقي عن بعض اللغويين، وهذا على قول من يرى التسمية منها.

والخامس: لأنها مقسومة بين الله تعالى وبين عبده، ويدل عليه حديث أبي هريرة «قسمتُ الصلاةَ بيني وبين عبدي».

والسادس: لأنها نزلت مرتين، ذكره الحسين بن الفضل.

والسابع: لأن كلماتها مثنّاة، مثل: الرحمن الرحيم، إِياك إِياك، الصراط صراط، عليهم عليهم، غير غير، ذكره بعض المفسرين. ومن أعظم فضائلها أن الله تعالى جعلها في حيِّزٍ، والقرآن كله في حيِّزٍ، وامتنَّ عليه بها امتنَّ عليه بالقرآن كله.

والقول الثاني: أنها السبع الطُّوَل، قاله ابن مسعود في رواية، وابن عباس في رواية، وسعيد بن جبير في رواية، ومجاهد في رواية، والضحاك. فالسبع الطُّوَل هي: (البقرة)، و (آل عمران)، و (النساء)، و (المائدة)، و (الأنعام)، و (الأعراف)، وفي السابعة ثلاثة أقوال:

أحدها: أنها (يونس)، قاله سعيد بن جبير.

والثاني: (براءة) قاله أبو مالك.

والثالث: (الأنفال) و (براءة) جميعاً، رواه سفيان عن مسعر عن بعض أهل العلم. قال ابن قتيبة: وكانوا يرون (الأنفال) و (براءة) سورة واحدة، ولذلك لم يفصلوا بينهما. قال شيخنا أبو منصور اللغوي: هي الطُّوَل، ولا تَقُلها بالكسر، فعلى هذا، في تسميتها بالمثاني قولان:

أحدهما: لأن الحدود والفرائض والأمثال ثنِّيت فيها، قاله ابن عباس.

السابقالتالي
2