الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُم بِٱلْغُدُوِّ وَٱلآصَالِ }

قوله تعالى: { ولله يسجد من في السموات } أي: من الملائكة، ومَن في الأرض من المؤمنين { طوعاً وكرهاً }.

وفي معنى سجود الساجدين كَرها ثلاثة أقوال:

أحدها: أنه سجود مَنْ دخل في الإِسلام بالسيف، قاله ابن زيد.

والثاني أنه سجود ظِلِّ الكافر، قاله مقاتل.

والثالث: أن سجود الكاره تذلُّله وانقياده لما يريده الله منه من عافية ومرض وغنى وفقر.

قوله تعالى: { وظلالهم } أي: وتسجد ظلال الساجدين طوعاً وكَرهاً، وسجودُها: تمايلها من جانب إِلى جانب، وانقيادها للتسخير بالطُّول والقِصَر. قال ابن الأنباري: قال اللغويون: الظِّل ما كان بالغَدَوات قبل انبساط الشمس، والفيءُ ما كان بعد انصراف الشمس، وإِنما سُمِّي فيئاً، لأنه فاء، أي: رجع إِلى الحال التي كان عليها قبل ان تنبسط الشمس، وما كان سوى ذلك فهو ظِلٌّ، نحو ظِلِّ الإِنسان، وظل الجدار، وظل الثوب، وظل الشجرة، قال حُمَيد بن ثور:
فلا الظِّلُّ من بَرْد الضُّحى تَسْتَطِيعُهُ   ولا الفَيءُ مِن بَرْدِ العَشِيِّ تَذوق
وقال لبيد:
بينما الظِّلُّ ظَلِيلٌ مُوْنِقٌ   طَلَعَتْ شَمْسٌ عَلَيْه فاضْمَحَلّ
وقال آخر:
أيا أَثلاَتِ القَاعِ مِنْ بَطْنِ تُوضِحٍ   حَنِيْنِي إِلى أَظْلالِكُنَّ طَوِيلُ
وقيل: إِن الكافر يسجد لغير الله، وظلُّه يسجد لله. وقد شرحنا معنى الغُدُوِّ والآصال في [الأعراف: 7].