الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلَمَّآ أَن جَآءَ ٱلْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَىٰ وَجْهِهِ فَٱرْتَدَّ بَصِيراً قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ إِنِّيۤ أَعْلَمُ مِنَ ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } * { قَالُواْ يٰأَبَانَا ٱسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَآ إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ } * { قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّيۤ إِنَّهُ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ }

قوله تعالى: { فلما أن جاء البشير } فيه قولان:

أحدهما: أنه يهوذا، قاله أبو صالح عن ابن عباس، وبه قال وهب بن منبه، والسدي، والجمهور. والثاني: أنه شمعون، قاله الضحاك.

فان قيل: ما الفرق بين قوله هاهنا: { فلما أن جاء } وقال في موضع:فلما جاءهم } [البقرة: 89].

فالجواب: أنهما لغتان لقريش خاطبهم الله بهما جميعاً، فدخول «أن» لتوكيد مُضِّي الفعل، وسقوطها للاعتماد على إِيضاح الماضي بنفسه، ذكره ابن الأنباري.

قوله تعالى: { ألقاه } يعني القميص { على وجهه } يعني يعقوب { فارتدَّ بصيراً } ، الارتداد: رجوع الشيء إِلى حال قد كان عليها. قال ابن الأنباري: إِنما قال: ارتد، ولم يقل: رُدَّ، لأن هذا من الأفعال المنسوبة إِلى المفعولِين، كقولهم: طالت النخلة، والله أطالها، وتحركت الشجرة، والله حركها. قال الضحاك: رجع إِليه بصره بعد العمى، وقوّته بعد الضعف، وشبابه بعد الهرم، وسروره بعد الحزن.

وروى يحيى بن يمان عن سفيان قال: لما جاء البشيرُ يعقوبَ، قال: على أيِّ دين تركت يوسف؟ قال: على الإِسلام، قال: الآن تمت النعمة.

قوله تعالى: { ألم أقل لكم إِني أعلم من الله مالا تعلمون } فيه أقوال قد سبق ذكرها قبل هذا بقليل.

قوله تعالى: { يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا } سألوه أن يستغفر لهم ما أتوا، لأنه نبيّ مجاب الدعوة. { قال سوف أستغفر لكم ربي } في سبب تأخيره لذلك ثلاثة أقوال:

أحدهما: أنه أخَّرهم لانتظار الوقت الذي هو مَظِنَّة الإِجابة، ثم فيه ثلاثة أقوال:

أحدها: أنه أخَّرهم إِلى ليلة الجمعة، رواه ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال وهب: كان يستغفر لهم كل ليلة جمعة في نيِّف وعشرين سنة.

والثاني: إِلى وقت السّحَر من ليلة الجمعة، رواه أبو صالح عن ابن عباس. قال طاووس: فوافق ذلك ليلة عاشوراء.

والثالث: إِلى وقت السَّحَر، رواه عكرمة عن ابن عباس، وبه قال ابن مسعود، وابن عمر، وقتادة، والسدي، ومقاتل. قال الزجاج: إِنما أراد الوقت الذي هو أخلق لإِجابة الدعاء، لا أنه ضَنَّ عليهم بالاستغفار، وهذا أشبه بأخلاق الأنبياء عليهم السلام.

والقول الثاني: أنه دفعهم عن التعجيل بالوعد. قال عطاء الخراساني: طلبُ الحوائج إِلى الشباب أسهل منها عند الشيوخ، ألا ترى إِلى قول يوسف: «لا تثريب عليكم اليوم» وإِلى قول يعقوب: «سوف أستغفر لكم ربي»

والثالث: أنه أخَّرهم ليسأل يوسف، فان عفا عنهم، استغفر لهم، قاله الشعبي. وروي عن أنس بن مالك أنهم قالوا: يا أبانا إِنْ عفا الله عنا، وإِلا فلا قُرَّة عين لنا في الدنيا، فدعا يعقوبُ وأمَّن يوسف، فلم يُجب فيهم عشرين سنة، ثم جاء جبريل فقال: إِن الله قد أجاب دعوتك في ولدك، وعفا عما صنعوا به، واعتقد مواثيقهم من بَعْدُ على النبوَّة.

السابقالتالي
2