الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ ٱلسِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا ٱلْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ } * { قَالُواْ وَأَقْبَلُواْ عَلَيْهِمْ مَّاذَا تَفْقِدُونَ } * { قَالُواْ نَفْقِدُ صُوَاعَ ٱلْمَلِكِ وَلِمَن جَآءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَاْ بِهِ زَعِيمٌ }

قوله تعالى: { فلما جهزهم بجهازهم } قال المفسرون: أوفى لهم الكيل، وحمَّل لـ «بنيامين» بعيراً باسمه كما حمَّل لهم، وجعل السقاية في رحل أخيه، وهي الصواع، فهما اسمان واقعان على شيء واحد، كالبُرِّ والحنطة، والمائدة والخُوان. وقال بعضهم: الاسم الحقيقي: الصواع، والسقاية وصف، كما يقال: كوز، وإِناء، فالاسم الخاص: الكوز. قال المفسرون: جعل يوسف ذلك الصاع مكيالاً لئلا يُكال بغيره. وقيل: كال لإِخوته بذلك، إِكراماً لهم. قالوا: ولما ارتحل إِخوة يوسف وأمعنوا، أرسل الطلب في أثرهم، فأُدركوا وحبسوا، { ثم أذَّن مؤذِّن } قال الزجاج: أعلم مُعْلم، يقال: آذنته بالشيء، فهو مؤذن به، أي: أعلمته، وآذنت: أكثرت الإِعلام بالشيء، يعني: أنه إِعلام بعد إِعلام. { أيتها العير } يريد: أهل العير، فأنث لأنه جعلها للعير. قال الفراء: لا يقال: عير، إِلا لأصحاب الإِبل. وقال أبو عبيدة: العير: الإِبل المرحولة المركوبة. وقال ابن قتيبة: العير: القوم على الإِبل.

فإن قيل: كيف جاز ليوسف أن يُسرِّق من لم يسرق؟ فعنه أربعة أجوبة:

أحدها: أن المعنى: إِنكم لسارقون يوسف حين قطعتموه عن أبيه وطرحتموه في الجب، قاله الزجاج.

والثاني: أن المنادي نادى وهو لا يعلم أن يوسف أمر بوضع السقاية في رحل أخيه، فكان غير كاذب في قوله، قاله ابن جرير.

والثالث: أن المنادي نادى بالتسريق لهم بغير أمر يوسف.

والرابع: أن المعنى: إِنكم لسارقون فيما يظهر لمن لم يعلم حقيقة أخباركم، كقوله:ذق إِنك أنت العزيز الكريم } [الدخان 49] أي: عند نفسك، لا عندنا، وقولِ النبي صلى الله عليه وسلم: " كذب إِبراهيم ثلاث كَذَبات " أي: قال قولاً يشبه الكذب، وليس به.

قوله تعالى: { قالوا } يعني: إِخوة يوسف { وأقبوا عليهم } فيه قولان.

أحدهما: على المؤذن وأصحابه.

والثاني: أقبل المنادي ومن معه على إِخوة يوسف بالدعوى. { ماذا تفقدون } مالذي ضلَّ عنكم؟ { قالوا نفقد صواع الملك } قال الزجاج: الصواع هو الصاع بعينه، وهو يذكّر ويؤنّث، وكذلك الصاع يذكّر ويؤنّث. وقد قرىء: «صياع» بياء، وقرىء: «صَوْغ» بغين معجمة، وقرىء: «صَوع» بعين غير معجمة مع فتح الصاد، وضمها، وقرأ أبو هريرة: «صاع الملك» وكل هذه لغات ترجع إِلى معنى واحد، إِلا أن الصوغ، بالغين المعجمة، مصدر صغت، وُصف الإِناء به، لأنه كان مصوغاً من ذهب.

واختلفوا في جنسه على خمسة أقوال:

أحدها: أنه كان قدحاً من زبرجد.

والثاني: أنه كان من نحاس، رويا عن ابن عباس.

والثالث: أنه كان شربة من فضة مرصَّعة بالجوهر، قاله عكرمة.

والرابع: كان كأساً من ذهب، قاله ابن زيد.

والخامس: كان من مِسٍّ، حكاه الزجاج.

وفي صفته قولان:

أحدهما: أنه كان مستطيلاً يشبه المكوك. والثاني: أنه كان يشبه الطاس.

قوله تعالى: { ولمن جاء به } يعني الصواع { حمل بعير } من الطعام { وأنا به زعيم } أي: كفيل لمن ردَّه بالحِمل، يقوله المؤذِّن.