الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَآ أُبَرِّىءُ نَفْسِيۤ إِنَّ ٱلنَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِٱلسُّوۤءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيۤ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { وَقَالَ ٱلْمَلِكُ ٱئْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ ٱلْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ } * { قَالَ ٱجْعَلْنِي عَلَىٰ خَزَآئِنِ ٱلأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ } * { وَكَذٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي ٱلأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَآءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَشَآءُ وَلاَ نُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُحْسِنِينَ }

قوله تعالى: { وما أبرِّىء } في القائل لهذا ثلاثة أقوال، وهي التي تقدمت في الآية قبلها.

فالذين قالوا: هو يوسف، اختلفوا في سبب قوله لذلك على خمسة أقوال:

أحدها: أنه لما قال: «ليعلم أني لم أخُنه بالغيب» غمزه جبريل، فقال: ولا حين هممتَ؟ فقال: «وما أبرىء نفسي»، رواه عكرمة عن ابن عباس، وبه قال الأكثرون.

والثاني: أن يوسف لما قال: «لم أخنه»، ذكر أنه قد همّ بها فقال: «وما أبرىء نفسي»، رواه العوفي عن ابن عباس.

والثالث: أنه لما قال ذلك، خاف أن يكون قد زكَّى نفسه، فقال: «وما أبرىء نفسي»، قاله الحسن.

والرابع: أنه لما قاله، قال له الملك الذي معه: اذكر ما هممتَ به، فقال: «وما أبرىء نفسي»، قاله قتادة.

والخامس: أنه لما قاله، قالت امرأة العزيز: ولا يوم حللتَ سراويلك؟ فقال: «وما أبرىء نفسي»، قاله السدي.

والذين قالوا: هذا قول امرأة العزيز، فالمعنى: وما أبرىء نفسي أني كنت راودته.

والذين قالوا: هو العزيز، فالمعنى: وما أبرىء نفسي من سوء الظن بيوسف، لأنه قد خطر لي.

قوله تعالى: { لأمَّارة بالسوء } قرأ ابن عامر، وأهل الكوفة، ويعقوب إِلا رويساً: «بالسوء إِلا» بتحقيق الهمزتين. وقرأ أبو عمرو، وابن شنبوذ عن قنبل بتحقيق الثانية وحذف الأولى، وروى نظيف عن قنبل بتحقيق الأولى وقلب الثانية ياءً. وقرأ أبو جعفر، وورش، ورويس بتحقيق الأولى وتليين الثانية بين بين، مثل: «السُّوء عِلاَّ» وروى ابن فليح بتحقيق الثانية وقلب الأولى واواً، وأدغمها في الواو التي قبلها، فتصير واواً مكسورة مشددة قبل همزة «إِلا».

قوله تعالى: { إِلا ما رحم ربي } قال ابن الأنباري: قال اللغويون: هذا استثناء منقطع، والمعنى: إِلا أن رحمة ربي عليها المعتمَد. قال أبو صالح عن ابن عباس: المعنى: إِلا من عصم ربي. وقيل: «ما» بمعنى «من». قال الماوردي: ومن قال: هو قول امرأة العزيز، فالمعنى: إِلا من رحم ربي في قهره لشهوته، أو في نزعها عنه. ومن قال: هو قول العزيز، فالمعنى: إِلا من رحم ربي بأن يكفيَه سوء الظن، أو يثبِّته، فلا يعجل. قال ابن الأنباري: والقول بأن هذا قول يوسف، أصح، لوجين:

أحدهما: لأن العلماء عليه. والثاني: لأن المرأة كانت عابدة وثن، وما تضمنته الآية، أليق أن يكون قول يوسف من قول من لا يعرف الله عز وجل. وقال المفسرون: فلما تبين الملك عذر يوسف وعَلِم أمانته، قال: { ائتوني به أستخلصه لنفسي } أي: أجعله خالصاً لي، لا يشركني فيه أحد.

فإن قيل: فقد رويتم في بعض ما مضى أن يوسف قال في مجلس الملك: «ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب» فكيف قال الملك: «ائتوني به» وهو حاضر عنده؟!

فالجواب: أن أرباب هذا القول يقولون: أمر الملك باحضاره ليقلِّده الأعمال في غير المجلس الذي استحضره فيه لتعبير الرؤيا.

السابقالتالي
2 3