الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَـٰذَا وَٱسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ ٱلْخَاطِئِينَ } * { وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي ٱلْمَدِينَةِ ٱمْرَأَةُ ٱلْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبّاً إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ }

قوله تعالى: { يوسف أعرض عن هذا } المعنى: يا يوسف أعرض.

وفي القائل له هذا قولان:

أحدهما: أنه ابن عمها وهو الشاهد، قاله ابن عباس.

والثاني: أنه الزوج، ذكره جماعة من المفسرين. قال ابن عباس: أَعرضْ عن هذا الأمر فلا تذكره لأحد، واكتمه عليها. وروى الحلبي عن عبد الوراث: «يوسف أعرَضَ عن هذا» بفتح الراء على الخبر.

قوله تعالى: { واستغفري لذنبك } فيه قولان:

أحدهما: استعفي زوجك لئلا يعاقبَكِ، قاله ابن عباس.

والثاني: توبي من ذنبكِ فإِنكِ قد أثمتِ.

وفي القائل لهذا قولان. أحدهما: ابن عمها. والثاني: الزوج.

قوله تعالى: { إِنكِ كنتِ من الخاطئين } يعني: من المذنبين. قال المفسرون: ثم شاع ذلك الحديث في مصر حتى تحدَّث بذلك النساء، وهو قوله: { وقال نسوة في المدينة } ، وفي عددهن قولان:

أحدهما: أنهن كن أربعاً: امرأة ساقي الملك، وامرأة صاحب دواته، وامرأة خبَّازه، وامرأة صاحب سجنه، قاله ابن عباس.

والثاني: أنهن خمس، امرأة الخبَّاز، وامرأة الساقي، وامرأة السجَّان، وامرأة صاحب الدواة، وامرأة الآذن، قاله مقاتل.

فأما العزيز، فهو بلغتهم الملك، والفتى بمعنى العبد. قال الزجاج: كانوا يسمون المملوك فتى. وإِنما تكلم النسوة في حقها، طعناً فيها، وتحقيقاً لبراءة يوسف.

قوله تعالى: { قد شغفها حباً } أي: بلغ حبُّه شَغاف قلبها.

وفي الشَّغاف أربعة أقوال:

أحدها: أنه جلدةٌ بين القلب الفؤاد، رواه عكرمة عن ابن عباس.

والثاني: أنه غلاف القلب، قاله أبو عبيدة. قال ابن قتيبة: ولم يُرِدِ الغلاف، إِنما أراد القلب، يقال: شغفت فلاناً: إِذا أصبت شغافه، كما يقال: كبدته: إِذا أصبت كبده، وبطنته: إِذا أصبت بطنه.

والثالث: أنه حَبَّة القلب وسويداؤه.

والرابع: أنه داءٌ يكون في الجوف في الشراسيف، وأنشدوا:
وَقَدْ حَالَ هَمٌّ دُوْنَ ذَلِكَ دَاخِلٌ   دُخُوْلَ الشَّغافِ تَبْتَغِيْهِ الأَصَابِعُ
ذكر القولين الزجاج. وقال الأصمعي: الشَّغاف عند العرب: داءٌ يكون تحت الشراسيف في الجانب الأيمن من البطن، والشَّراسيف: مقاطّ رؤوس الأضلاع، واحدها: شُرسوف.

وقرأ عبد الله بن عمرو، وعلي بن الحسين، والحسن البصري، ومجاهد، وابن محيصن، وابن أبي عبلة «قد شعفها» بالعين. قال الفراء: كأنه ذهب بها كل مذهب، والشَّعَف: رؤوس الجبال.

قوله تعالى: { إِنا لنراها في ضلال مبين } أي: عن طريق الرشد، لحبها إِياه. والمبين: الظاهر.