الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ وَجَآءُوا عَلَىٰ قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَٱللَّهُ ٱلْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ }

قوله تعالى: { وجاؤوا على قميصه بدم كذب } قال اللغويون: معناه: بدم مكذوب فيه، والعرب تجعل المصدر في كثير من الكلام مفعولاً، فيقولون للكذب مكذوب، وللعقل معقول، وللجلد مجلود، قال الشاعر:
حتَّى إِذا لَمْ يَتْرُكُوا لِعِظَامِهِ   لَحْماً وَلاَ لِفُؤَادِهِ مَعْقُولاَ
أراد: عقلاً. وقال الآخر:
قد والذي سَمَكَ السماءَ بِقُدْرَةٍ   بُلغ العَزَاءُ وأُدْرِكَ المَجْلُوْدُ
يريد: أُدرك الجلد. ويقولون: ليس لفلان عقد رأي، ولا معقود رأي، ويقولون: هذا ماء سكْب، يريدون: مسكوباً، وهذا شراب صب، يريدون: مصبوباً، وماء غور، يعنون: غائراً، ورجل صوم، يريدون: صائماً، وامرأة نَوْح، يريدون: نائحة؛ وهذا الكلام مجموع قول الفراء، والأخفش، والزجاج، وابن قتيبة في آخرين.

قال ابن عباس: أخذوا جدياً فذبحوه، ثم غمسوا قميص يوسف في دمه، وأتوه به وليس فيه خرق، فقال: كذبتم، لو كان أكله الذئب لخرّق القميص. وقال قتادة: كان دم ظبية. وقرأ ابن أبي عبلة: «بدمٍ كذباً» بالنصب. وقرأ ابن عباس، والحسن، وأبو العالية: «بدم كدب» بالدال غير معجمة، أي: بدم طريّ.

قوله تعالى: { بل سَوَّلَتْ } أي: زَيَّنَتْ { لكم أنفسكم أمراً } غير ما تصفون { فصبر جميل } قال الخليل: المعنى: فشأني صبر جَميل، والذي أعتقده صبر جميل. وقال الفراء: الصبر مرفوع، لأنه عزّى نفسه وقال: ما هو إِلا الصبر، ولو أمرهم بالصبر، لكان نصباً. وقال قطرب: المعنى: فصبري صبر جميل. وقرأ ابن مسعود، وأُبيّ، وأبو المتوكل: «فصبراً جميلاً» بالنصب. قال الزجاج: والصبر الجميل، لا جزع فيه، ولا شكوى إِلى الناس.

قوله تعالى: { والله المستعان على ما تصفون } فيه قولان.

أحدهما: على ما تصفون من الكذب. والثاني: على احتمال ما تصفون.